المنشور

تقرير التنمية والهروب إلى الأمام

ردود الأفعال الرسمية العربية حيال النتائج التي توصل إليها تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية للعام 2009 الذي دشنه في بيروت مؤخرا رئيس وزراء تصريف الأعمال اللبناني «فؤاد السنيورة» ، لازالت خجولة في مجملها، باستثناء الموقف المعتاد والمندد من قبل جامعة الدول العربية. فها هي نتائج التقرير التي تعودت الأذن العربية كثيرا على سماعها تعاود مجددا وبزخم أكثر حضورا على المستوى الشعبي تحديدا، دون أن تخرج أي من حكوماتنا العربية لتقول لنا ولو عرضا أنها تأخذ تلك النتائج على محمل الجد، أو أنها تسعى لتحسين تلك الصور المأساوية التي كثيرا ما تعج بها تلك التقارير، التي لا يرقى الشك إلى نتائجها، كونها تقارير تصدر عن أكبر منظمة دولية لجميع دولنا العربية تمثيل فيها. نتائج تقرير هذا العام جاءت تحت عنوان لافت هو «تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية» وهي نتائج لا يمكن لها بأي حال أن تترك لتمر، وذلك من اجل خلق فهم صحيح تسهل معه دعوة كافة الجهود العربية الرسمية منها والمدنية لتحسين تلك الصورة النمطية التي تكونت عبر سنوات من عدم المبالاة والإهمال لمقومات أساسية ترتبط بواقع ومعانات الفرد والمجتمعات العربية بأسرها. فعندما يتحدث التقرير عن وجود أكثر من 65 مليون عربي يعيشون حالة الفقر، أو عن وضع الأجهزة الرسمية لمزيد من القيود والانتهاكات للحقوق والحريات العامة والخاصة، عبر ممارسات مشينة لا زالت حاضرة بقوة في المشهد العربي من حيث ممارسات التعذيب والاحتجاز غير القانوني للمواطنين، مستظلة بقوانين على شاكلة قوانين مكافحة الإرهاب والطوارىء، التي أقرتها غالبية دولنا العربية مع برلماناتها، مستفيدة من أجواء الشحن المواتية التي وفرها المناخ الدولي، تحديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والاندفاع المحموم للإدارة الأميركية السابقة في هذا الاتجاه، فعلاوة على أن تلك القوانين تطلق أيدي السلطات لممارسة مزيد من القمع بحق مواطنيها، فإنها تبقى قوانين لا تنتمي إلى العصر ولا تخدم توجهات الإصلاح وعملية التحول الديمقراطي المنشودة. يقول التقرير ان «ما يهدد أمن الإنسان العربي يتجاوز مسألة النزاعات المسلحة ليشمل قضايا أخرى أساسية منها التدهور في البيئة والوضع الهش لعدد كبير من الفئات الاجتماعية والتقلب الاقتصادي الناتج عن الاعتماد المفرط على النفط والأنظمة الصحية الضعيفة وعدم خضوع الأجهزة الأمنية للمساءلة». كما يتحدث التقرير عن أحكام عرفية تجعل من مواطني البلدان العربية يعيشون حالة من «انعدام الحرية». ويتزايد العنف ضد النساء، وتتفاقم معضلة المخدرات، وتزوير الانتخابات، لتبقى العلاقة بين دولنا العربية ومواطنيها ليست سليمة البتة، ففي حين يُنتظر من الدولة أن تضمن حقوق الإنسان، نراها في بلدان عربية عديدة تمثل مصدرا لتهديد وتقويض المواثيق الدولية والأحكام الدستورية حيث يذهب إلى ذلك التقرير.
 
صحيفة الايام
9 اغسطس 2009