المنشور

كيف اقتنعتم؟

‘الحياة أعز شيء للإنسان، إنها توهب له مرة واحدة، فيجب أن يعيشها عيشة لا يشعر معها بندم معذب على السنين التي عاشها، ولا يلسعه العار على ماضٍ رذل تافه، وليستطع أن يقول وهو يحتضر: كانت كل حياتي، كل قواي موهوبة لأروع شيء في العالم: النضال في سبيل تحرير الانسانية!’. ( نيقولاي أوستروفسكي ـ كاتب رواية: ‘كيف سقينا الفولاذ!!’)
***
العنوان أعلاه لمقالة كتبها الباحث العراقي صائب خليل نشرت قبل نحو خمس سنوات على موقع ‘الحوار المتمدن’، تحدث في مقدمتها حول ‘منطق سائق القطار’ فكتب يقول: سقط الثلج كثيفا، واضطر القطار الى التوقف بانتظار الكاشطة، فنزل استاذ الشطرنج الكبير سامي ريشفسكي يتمشى.. لاحظ سائق القطار وهو يجلس قبالة رقعة شطرنج فسأله أن يلعب معه. ترك ريشفسكي سائق القطار يغلبه مرتين، ثم قال له: ‘ في الحقيقة… أنا العب بشكل أفضل بدون وزير، فهل تسمح لي أن أرفع وزيري؟’. حاول سائق القطار عبثا أن يقنعه أن ‘طريقته’ غير معقولة وخاسرة، فقرر أن يبرهن له ذلك عملياً… رفع ريشفسكي وزيره ولعبا، فكسب الأخير أمام دهشة السائق. لعبا ثانية، فكسب ريشفسكي ثانية، ثم ثالثة! … أخيراً، رفع سائق القطار قطع الشطرنج وهو مقتنع بان ‘طريقة’ السيد الغريب هي الافضل!.
وتابع صائب خليل قوله: ‘لايحتاج أحد أن يكون لاعب شطرنج ممتاز ليدرك حماقة سائق القطار، وخطأ اقتناعه بأن اللعب بلا وزير هي الطريقة الأفضل ‘ـ انتهى الاقتباس ـ (1).
كثير من البشر لديهم قناعة بفكرة/ أفكار تستحوذ جزء من حياتهم، لكن قلة من البشر ينذرون حياتهم بالعيش والموت من أجلها، وربما ليس عندهم دليل على صحتها سوى إيمانهم بها، وسائق القطار الذي اعتقد بان ‘اللعب بلا وزير هي الطريقة الأفضل’، خاض تجربة مع شخص غريب لا يعرف مهاراته في لعبة الشطرنج، وقناعته هذه ستتبدد في حال قلّد الذي هزمه ‘بلا وزير’ أثناء اللعب مع شخص ما في مستواه، ففي حال تغيير قناعاته سيكتشف أن طريقة لعب السيد الغريب ليست هي الأفضل.
هناك من يعتقد أن القناعة تأتي مما يتفق عليه الناس، وهذا ليس صحيحاً أيضاً، وإذا سلمنا بهذه الفرضية، فهذا يعني أن الأرض كانت ‘ثابتة ومسطحة’، حين كان الناس متفقين على ذلك، وبعدما اكتشف جاليلو دوران الأرض وكرويتها، تحوّلت من ثابتة ومسطحة إلى العكس، أو لأن جاليليو أصر أثناء محاكمته والحكم عليه بالقول: ‘… ومع ذلك تدور !!’.
القناعات بالأفكار والمعتقدات والمبادئ ـ وما أكثرها بكثرة تناقضاتها، دائماً ما تسحر العقول، لكن بالكاد تجد من ينذر حياته كلها لمبدئه وفكره، وهنا عليك أن ‘تُفتش في الاقتصاد وعلم الاجتماع والثقافات، والأهم الصراع الطبقي’، كي تُميّز بين ‘الخيط الأبيض من الأسود’.
 
صحيفة الوقت
7 اغسطس 2009