إبان اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وما تلاها، سارعت كافة دول العالم وتجمعاته الاقتصادية، خصوصاً منها تلك التي تضطلع بحصة معتدة في التجارة العالمية والاستثمارات العالمية المباشرة، لاتخاذ تدابير وإجراءات وتنفيذ خطط قصيرة ومتوسطة المدى للتغلب على الاختناقات المالية والاقتصادية التي سببتها الأزمة، سواء تم ذلك على صعيد فردي (حيث بادرت حكومات الولايات المتحدة والدول الأوروبية لاتخاذ حزمة من عمليات الإنقاذ الضخمة)، أو على صعيد جماعي (في إطار الاتحاد الأوروبي مثلاً أو في إطار مجموعة العشرين التي تداعت في عجلة وحاولت اتخاذ تدابير منسقة لتفادي الوقوع الجماعي في ‘شرك’ الحمائية (Protectionism) والتداول بشأن سبل استعادة الاستقرار للأسواق المضطربة.
ومع أن ‘موجة صقيع’ الأزمة بدأت تنقشع عن اقتصادات البلدان الرأسمالية الغربية (الولايات المتحدة وأوروبا تخصيصاً) إثر خطط الإنقاذ غير المسبوقة في التاريخ الاقتصادي للرأسمالية، حيث تم ضخ تريليونات الدولارات في أقنية النظام المالي والمصرفي وشراء أصول هالكة وإنقاذ شركات من خطر الإفلاس، مع ذلك فإن المعالجة الجنوب شرق آسيوية للأزمة كانت الأكفأ والأفعل، فقادة هذه الدول لم يركنوا إلى ما ستتمخض عنه الجهود الدولية متعددة الأطراف (Multilateral) من نتائج منتظرة لإطفاء حريق الأزمة ومعالجة ديونها تالياً، وإنما بادرت هي لاتخاذ ما يوافق مصالحها الواقعة داخل إطار حدودها الوطنية وتلك المتصلة بالإقليم الشرق والجنوب شرق آسيوي. فبالإضافة إلى إجراءات معالجاتها الوطنية الناجحة، حيث استفادت من دروس أزمتها المالية لصيف ,1997 فقد أقرت على صعيد إقليمي في إطار تجمعها الإقليمي قبل أيام (3 مايو 2009) خطة لإنشاء صندوق للطوارئ برأسمال قدره 120 مليار دولار لاستخدامه في مواجهة أية أزمة ركود اقتصادي تتعرض لها بلدان هذا التجمع الآسيوي. وقد اتخذت هذا القرار كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية إلى جانب الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا ‘آسيان’ على هامش الاجتماع السنوي للبنك الآسيوي للتنمية الذي عقد في جزيرة بالي الإندونيسية. كما ستنشئ الدول الموقعة على الاتفاق وكالة لضمان الائتمان برأسمال قدره 500 مليون دولار للمساعدة على تعزيز الطلب على السندات من دول أخرى في الرابطة الإقليمية (الاقتصادية)، بما معناه تمكين الدول الأقل نمواً من تمويل مشاريعها التنموية عن طريق إصدار السندات الحكومية التي صار مضموناً تسويقها. اليابان وحدها أعلنت عن خطة لدفع 60 تريليون ين (حوالي 54,61 مليار دولار) لدعم الدول التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية.
وبدوره يعتزم البنك الآسيوي للتنمية زيادة ميزانيته المخصصة للإقراض إلى 33 مليـار دولار في 2009-2010 بزيادة حوالي 50٪ عن موازنـة العام المالي 2007-2008 لمقابلة متطلبات معالجة ذيول الأزمة على البلدان الأعضاء.
أما صندوق الطوارئ الذي قررته الدول الثلاث عشرة المذكورة، فستتكفل كل من الصين واليابان بدفع 32٪ من رأسماله وكوريا الجنوبية بحصة 16٪، فيما ستأتي باقي المساهمات من رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) العشر (إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، تايلند، بروناي، ميانمار، كمبوديا، لاوس، فيتنام وسنغافورة). وستستخدم أموال هذا الصندوق لتقديم الدعم الطارئ لموازين مدفوعات الدول الآسيوية الأعضاء إذا ما تعرضت لـ ‘نزوح’ مفاجئ لرؤوس الأموال الأجنبية على النحو الذي حدث إبان الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد الجنوب شرق آسيوي صيف عام .2007
وهكذا فإن الدول الجنوب شرق آسيوية، وبعد أن شعرت بعدم فاعلية المقاربات والحلول متعددة الأطراف (سواء في إطار مجموعة العشرين أو مجموعة الثمانية)، فإنها بادرت إلى التنسيق والتعاون في إطارها الإقليمي (الآسيان + الصين واليابان وكوريا الجنوبية).
هذا هو التعامل والتعاطي الجدي مع الأزمة وتداعياتها، وفعل الاتحاد الأوروبي الشيء نفسه رغم أن عدد الدول هنا أكبر (27 دولة). أما لدينا هنا في مجلس التعاون لدول الخليج العربية المعنية أكثر من غيرها بتداعيات الأزمة نتيجة لاستمرار ارتهان نمو ناتجها الإجمالي إلى سلعة واحدة هي النفط الخاضعة دوماً لتقلبات السوق في الأوقات العادية، فما بالك في أوقات الأزمات، فهي اكتفت باجتماع تنسيقي لوزراء المال ومحافظي البنوك المصرفية إبان احتدام أزمة السيولة في النظام المصرفي الخليجي. ولم تتخذ أية خطوات ملموسة، من جنس ما اتخذه الآسيويون أو حتى الأوروبيون من إجراءات سريعة المفعول وبرامج ذات آماد أطول. وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على عدم فاعلية آليات التنسيق القائمة التي تجاوزها الزمن، وإنه قد آن الأوان لإعادة النظر فيها والبحث عن آليات أكثر فاعلية، ولكن قبل هذا وذاك نكرّر ما سبق وأكدنا عليه وهو ضرورة تحويل الأمانة العامة لمجلس التعاون إلى مفوضية على غرار المفوضية الأوروبية، لها صلاحيات واسعة تستطيع أن تحرّك وتفعّل أجهزة وآليات المجلس.
صحيفة الوطن
2 اغسطس 2009