المنشور

صخب الساحة العراقية

تشهد الساحة السياسية العراقية صخبا متعدد الجوانب ، فالانتخابات البرلمانية والرئاسية في اقليم كردستان ، التي ستجري في الخامس والعشرين من هذا الشهر ، اي بعد ثلاثة ايام من الآن ، لم يسبق ان شهدت هذا العدد الكبير من القوائم المتنافسة، ولا هذا العدد من المرشحين للرئاسة ، وهي اي الانتخابات، وإن لا يتوقع لها ان تنتج تغييراً جذرياً في اللوحة السياسية في الاقليم ، بمعنى ان تزيح سيطرة الحزبين الكبيرين المسيطرين على هذه الساحة منذ العام منذ العام1992، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة رئيس الإقليم الحالي مسعود البارزاني ، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال الطالباني ، ولكنها ، بالتأكيد ، كما يرى العديد من المراقبين ، ستشهد تراجعاً نسبياً لنفوذ هذين الحزبين . وعلى صعيد العراق ككل، يتمثل الصخب في ان كل الكتل السياسية تعمل منذ الآن استعداداً للانتخابات البرلمانية التي ستجري في السادس عشر من شهر كانون الثاني/يناير 2010، آخذة في الاعتبار ما اسفرت عنه انتخابات المجالس المحلية ، في بداية هذا العام ، من تراجع لنفوذ القوى التي ظلت متمسكة بطروحاتها المذهبية الضيقة ، واتضاح ميل الجمهرة الواسعة من الناخبين الى ضرورة تغليب الطروحات الوطنية العامة . ولذا يجري الاعلان عن تجديد المساعي لترميم الائتلافات السابقة التي تفككت ، سواء اكانت شيعية او سنية ، والقول بأن مساعيها تستهدف إعادة تشكيلها على اسس وطنية عامة ، وليس على اسس طائفية ، كما كان الحال في انتخابات العام 2005. ولا يقتصر الصخب على القوى المنخرطة في العملية السياسية ، بل يشمل القوى المعارضة للعملية السياسية برمتها ، واعني بقايا تنظيم القاعدة الذي تلقى ضربات موجعة، ولكنه ما يزال ينازع ويسعى لتخريب العملية السياسية بما يقوم به من اعمال تخريب وجرائم بشعة ضد ابناء الشعب ، وتفجير الكنائس بقصد دفع المسيحيين والصابئة المندائيين على هجرة البلد ، وهم من اقدم مكونات الشعب العراقي ، ولزعزعة الامن والاستقرار في الوطن ، ومحاولة إثبات عجز اجهزة الامن العراقية من شرطة وجيش على حفظ الامن ، بعد انسحاب القوات المتعددة الجنسية من المدن ، وتولي القوات العراقية مهمة حفظ الامن . والى جانب نشاط بقايا تنظيم القاعدة ينشط انصار النظام السابق ، من البعثيين الصداميين في اعمالهم التخريبية ، من تفجير السيارات المفخخة وزرع العبوات الناسفة والاغتيالات لعناصر نشطة في العملية السياسية ولبعض من ترك صفوفهم وصار يتعاون مع الحكومة للوقوف ضد ما يقومون به من اعمال اجرامية . كما يحاول انصار النظام السابق الاستفادة من الحديث عن المصالحة الوطنية وضرورتها للتغلب على المصاعب التي تواجهها العملية السياسية وبناء العراق الديمقراطي التعددي الإتحادي الموحد المستقل لتشملهم هذه المصالحة من دون ان يعتذروا عما قاموا به من جرائم بحق الشعب ، اويدينوا النظام السابق لما الحقه بالشعب والوطن من كوارث ومحن بإرهابه الدموي وحربه الظالمة ضد الشعب الكردي وعدوانه على ايران وتسببه في الحرب التي طالت ثماني سنوات ودمرت اقتصاد البلد وبناه التحتية ،وغزوه الغادرللكويت وما سببه للبلد من كارثة وطنية كبرى وحصار جائر على مدى ثلاثة عشر عاما ، واستخدامه السلاح الكيماوي ضد الشعب وقبوره الجماعية التي ضمت مئات الالوف من المواطنين . ومما يؤسف له ان هؤلاء ،في مسعاهم هذا ، يلقون الدعم من بعض الاخوة العرب . إن ماجئت على ذكره من صخب الساحة السياسية العراقية ، لا يشمل كل جوانب هذاالصخب . فما زالت مشكلة كركوك قائمة، وهي ما كرست له المقال السابق ، وما زالت العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان كدرة ويشوبها التوتر احياناً . وكذلك العلاقات بين القوى السياسية داخل البرلمان ليست على ما يرام ، مما يعيق انجاز مهمات ملحة في الوضع الراهن، تعديل الدستور،وقانون النفط والغاز، وقانون الانتخابات، وقانون الاحزاب، ومعالجة الفساد بكل اشكاله السياسي والاداري والمالي، بالحزم المطلوب ، وغيرها من الامور التي يتوق ابناء الشعب الى ارتفاع القوى المتنفذة في السلطة الى مستوى المسؤولية الوطنية، والعمل على حلها بما يخدم مصلحة الشعب العليا، وجعلها فوق كل مصلحة ضيقة .
 
صحيفة الايام
24 يوليو 2009