المنشور

الإمكانيات الواعدة للديمقراطية في العالم الإسلامي

يقع العالم الإسلامي في الدرجة الثالثة في سلم الديمقراطية العالمي، وقد استطاع بعضُ الدول الشرقية أن ينحاز بشكل كلي عام إلى نموذج الديمقراطية الغربية كبلغاريا وبلاد التشيك، فيما تقدم بعضُ الدول الأخرى من الكتلة الشرقية ليحوز بعضَ السمات في هذا المجال من دون أن يصل إلى الالتحاق بتلك الدرجة المتطورة مثل روسيا.
فيما يظل العالم الإسلامي خارج هاتين الدرجتين.
تعطينا مصر وإيران شكلين لعملية المقاربة التي يقومُ بها العالمُ الإسلامي نحو الديمقراطية، وفيما تتوجه مصر عبر التحولات الاجتماعية بشكل متدرج، تتوجه إيران بشكل دراماتيكي.
هذا يعود لطبيعة المذهبين الإسلاميين السائدين في كل منهما، وكطبيعة الشرق فإن هيمنة الدولة تغدو ساحقة شبه كلية في الاقتصاد والإدارة والثقافة، وهو أمرٌ يماثل الدول الشرقية الأخرى الواقعة بين الدكتاتورية والديمقراطية.
إن تماثلات المذهبين والخلفية الدينية المشتركة هما تعبيرٌ عن ماضي الشرق السحيق حيث قامت الدول بالهيمنة عبر قرون طويلة، كما أنهما وجهان لسيطرة القوى المحافظة داخل التباين المذهبي، فرغم النصوصية المختلفة، فإن تلك القوى هيمنت على كيان الحكم، وإذ يغدو الصراع ومواجهة الخصوم ميزة في الاثني عشرية فإن المذهبية السنية هي القبول بالكيان السياسي والتدرج في تطوره.
ولهذا فإن الحراك الإيراني العنيف يختلف عن التدرجية المصرية المسالمة غالباً.
إن كونَ المذهبية قد توحدتْ بدولة رأسمالية حكومية سيطرت على أغلب الشركات الكبرى المنتجة الموارد العامة، هي سمة مشتركة في أغلب دول الشرق الشمولية، وفيما تنفصلُ المواردُ عن المجموعات الحاكمة، عبر الإصلاح السياسي، أو عبر بيع شركات القطاع العام، تتعزز مواقعُ الرأسماليات الخاصة، وهذا ينعكس في المذهبية الحكومية السائدة بين كتلتين.
فعملية التشدد في النصوص الدينية، تقابلها مرونة من جهة أخرى، وتتباين مواقعُ هذا الاختلاف بين دولة وأخرى.
وفيما يتوجه الإصلاحيون الإيرانيون الدينيون إلى تخفيف التشدد والابتعاد عن ولاية الفقيه، بهذه الدرجة أو تلك، وهو أمر يعكس مسار الاثني عشرية في التاريخ الإيراني فهي مصممة الوحدة، وحافظة النسيج القومي، يتوجه المحافظون إلى التشدد عاكسين دور آلة الدولة الكبرى المسيطرة.
فيما تتوجه المذهبية السنية الحاكمة إلى تخفيف الأحكام والانفتاح في النموذج المصري، وإيجاد تعددية تتسم بها المذاهب السنية عادة، وهذا يعكس دور الدولة المصرية المنفتح الإصلاحي على العالم الخارجي، من دون أن تفقد سيطرتها شبه الكلية على المجتمع.
وفي كلا الجانبين الإيراني والمصري فإن هذا يعتمد على مدى استقلالية ونمو الرأسمالية الخاصة في كل من البلدين، أي خروجها من السقف الحكومي، ومدى صناعيتها وإنتاجها الفكري، ومدى إنتاجها للكوادر السياسية المعبرة عن مصالحها.
ويعكس الصراع السياسي المرير بين جانبي الرأسمالية الحكومية والرأسمالية الخاصة، النمو الصعب للرأسمالية الخاصة وسط السيطرة الحكومية.
ويتمظهر ذلك فكريا عبر مدى نمو الأحكام الفقهية والتشريعية لتوسع رأس المال وحرياته، وسياسيا في مدى قبول نشوء التنظيمات السياسية ومدى حرياتها، وفي طبيعة التشريع السياسي.
إن سيطرة الدولتين على مصادر الثروة تعكس تحكم الأجهزة البيروقراطية في الإنتاج الاقتصادي، وهي القوى التي تحدد الخريطتين الفقهية – الفكرية والسياسية.
ولهذا فإنه كلما ابتعدت تلك القوى عن مصادر الثروة العامة غدت هذه ثروة عامة فعلاً، فإن الرأسمالية الخاصة تتعزز، كما تتعزز الحريات والقراءات الجديدة للمذهبين الاثني عشري والسني، ومرتبط هذا كذلك بمدى تطوير القوى العاملة المحلية والاقتصاد عموماً.
ليست الاثنا عشرية أو المذاهب السنية هي معرقلة التطور بل أجهزة الدول البيروقراطية، التي تحدد سقفاً للحريات متدنياً كلما توسعت سيطرتها على الاقتصاد.
ولكن ذلك لا يعني كذلك عدم وجود تاريخية خاصة للمذاهب، لكن ارتباطها مؤكد بالنظام الاجتماعي، وتعتمد الديناميكية على مدى التاريخ التعددي في المذهب، واتساع التفاسير وتعدد الأحكام المرنة تجاه قضايا الشعوب.
وفيما يكون المتشددون الدينيون خارج الدولة المصرية، والانفتاحيون داخلها، يغدو المتشددون على رأس الدولة الإيرانية، والمنفتحون على أطرافها وليسوا في بؤرة الحكم.
وهذا نتاج التطور الطويل للدولة المصرية وابتعادها عن النظام العسكري المتشدد، فيما لاتزال إيران تعيش ذروته، مما يحدث هدراً للثروة العامة إضافة إلى الهدر المتأصل في طبيعة الأنظمة الشرقية بذخاً وفساداً، وهو الهدر العسكري الاضافي الأكثر خطورة، وهو هدر المغامرات والصرف على الخارج وتشكيل مواجهات مضرة للنظام، تجعل كميات كبيرة من الفوائض بعيدة عن الإنتاج الوطني، والأخطر هو جرها لحروب أو لسباق تسلح مكلف، كما حدث للاتحاد السوفيتي عبر الحرب الباردة ومواجهات النظام المصري مع المغامرات الإسرائيلية والاستعمارية.
وفيما يتوجه الصراع في البناء المصري ضد الهدر الداخلي والفساد وبضرورة توجه المداخيل العامة لإعادة تطوير القوى العاملة وتجديد البناء الاقتصادي عامة والمرتبط بحاجة الناس وتطورهم، تتصاعد مقاومة العسكرة من قبل القوى المدنية في إيران. وتبقى هذه شروطا أولية وعتبات للانتقال الديمقراطي، لكن القانون الأساسي هو:
إذا توقفتْ الدولُ عن السيطرة على أغلب فوائض القيمة الوطنية، وإذا أنتجت الرأسمالية الوطنية أغلب الفوائض، فذلك هو زمن الانتقال للديمقراطية في الشرق بمختلف مستويات تطوره ونماذجه.

صحيفة اخبار الخليج
19 يوليو 2009