المنشور

الســـر في التعليــم


كثرت المرات والمناسبات التي يجري فيها الحديث عن ضرورة إصلاح النظم التعليمية في بلدان مجلس التعاون الخليجي، لنكتشف بعد كل مرة أن الأمر لا يعدو كونه أشبه بالموجة العابرة التي تأتي قوية، وأحياناً في منتهى القوة، لكنها شأنها شأن كل موجة سرعان ما تنحسر وتتبدد. فلم نشهد أي انعطافة حقيقية في النظام التعليمي تذكرنا بتلك التي جرت في البلدان التي صممت على النهوض، فاختارت أن تبدأ بإصلاح التعليم، بل إن بلدا مثل الهند لم يكن للتعليم فيه حتى عقدين من الزمن تلك السمعة الطيبة، يملك اليوم عدداً من أفضل المعاهد في العالم في مجال المعلوماتية، وهذا يقدم لنا واحداً من أسباب النهضة الهندية الراهنة.

ويمكن أن نذهب قليلاً إلى التاريخ فنذكر بالواقعة الشهيرة حين صحت الولايات المتحدة ذات صباح في مطالع ستينات القرن العشرين على نبأ تحليق السوفييتي يوري جاجارين في الفضاء، فأدركت الخطر القادم من المعسكر الآخر، وابتدأت كما يليق بكل أمة تريد البقاء والتفوق بالتعليم، فشكلت لجاناً مختصة هدفها تطوير النظام التعليمي، لا بل وإصلاحه، استفادة من تجربة الخصم. سر النهضة الآسيوية، لا في اليابان وحدها وإنما في البلدان التي عرفت بنمور آسيا، يكمن أيضا في النهضة التعليمية، التي جرت مقاربتها بجدية ووفق منظور استراتيجي بعيد المدى، لا على شكل هبات أو موجات عابرة تتلاشى بذات السرعة التي تهب بها وربما أسرع. في كل بلد خليجي على حدة، وعلى مستوى المنظومة الخليجية كاملة، جرت مقاربات عدة لضرورة إصلاح النظام التعليمي، وشكلت لجان متخصصة واستقدم خبراء أجانب وشركات ذات صلة بالشأن التربوي، وبعض المعالجات والمقاربات لا تنقصها الجدية والعمق، لكن العبرة ليست في الذي يكتب على الورق، وإنما في ذلك الذي ينفذ على الأرض. ومشكلتنا أن إصلاح التعليم، كما أشياء أخرى، لا يرتبط بالتنموية على المستوى الوطني الشامل، فما أكثر ما تتغير الخطط والبرامج، لنعاود البدء من نفس المنطقة.

الأمر في بلداننا لا يتصل برؤية عامة تتبناها الحكومات وتعمل على تنفيذها بغض النظر عن الفريق الذي يشرف على تطبيقها، وبالتالي لا يمكن لهذه الرؤية أن تتغير كل أربع أو خمس سنوات تغييراً جذرياً، كأن تزاح نهائياً وتحل محلها رؤية بديلة لا تجد هي الوقت الكافي لاختبار جدواها حتى تستبدل بثالثة وهكذا. والنتيجة هي أننا لا نخطو خطوة عملية واحدة في اتجاه تحقيق الهدف المعلن الذي يدور عنه الحديث منذ سنوات ولن تغادر بلداننا العربية حالة المراوحة التي تعاني منها، وهي محاصرة بضغط الزمن الذي يمضي بسرعة مبدداً معه ما بقي من ثروات هذه المنطقة، من دون أن نكون مستعدين لمرحلة ما بعد نضوبها.