المنشور

نناشد ونهيب ونستنجد…!


ماذا يعني هذا الكم الذي يكاد ان يكون يومياً من المناشدات والاستنجادات والالتماسات من مواطنين كثر والتي لا تكاد تخلو صحيفة محلية منها، علاوة على تلك التي تبث عبر أثير البرنامج الإذاعي الصباحي اليومي بإذاعة البحرين.

مواطنون لم يعد أمامهم أي وسيلة سوى أن يناشدوا ويهيبوا ويلتمسوا ويستنجدوا صاحب الجلالة الملك، او سمو رئيس الوزراء مطالبين بالتدخل لرفع غبن او ظلم وقع عليهم، ولإعادة حق اغتصب منهم، وليس ذلك كل ما في الأمر بل هناك مشهد آخر نراه متمثلاً في نداءات الاستغاثة والاستعطاف إلى أصحاب القلوب الرحيمة والأيادي البيضاء او تلك الموجهة إلى الجمعيات والصناديق الخيرية لتمد لهم يد العون والمساعدة لمواطنين هم في حالة من الانكسار والمذلة.

ماذا يعني ذلك…؟ هل هو خلل في قدرة الجهات التنفيذية المعنية بأمور هؤلاء المواطنين على تأدية الواجب المنوط بها في إدارة ومعالجة شؤون الناس والمجتمع وتوفير شروط الحياة الكريمة لهم؟ هل هو يعني أن قيمة المساءلة والمحاسبة لم تنل حظها من الحضور والاهتمام في ساحة الأداء العام؟ لأنه عندما تعجز هذه الوزارة او تلك، او هذا الجهاز الرسمي او ذاك عن التعاطي الفاعل والايجابي مع قضية حياتية لا تحتمل التأجيل، او تعجز عن إنهاء قضية مأساوية لأفراد وأسر بحرينية تستدعي سرعة التحرك، او عندما تتلكأ اي من الجهات عن رفع مظلمة عن مواطن فإن المسألة هنا تكون وثيقة الصلة بغياب الجدية في المساءلة والمحاسبة بالخطأ أو التقصير او الإهمال او سوء الأداء. ثم الا يعني هذا الذي يجري أن أسلوب مواجهة قضايا الناس في حاجة الى بحث أكثر تفصيل وعمق وجدية، فبلد بحجم وظروف البحرين حين تتنامى فيها هذه الصور والمناشدات والاستغاثات المحملة بتفصيلات كثيرة مسكونة بقدر غير قليل من المرارة والحزن، فإن علينا ان نقيّم ونراجع أساليب وآليات عمل العديد من الأجهزة المختصة بتقديم خدماتها المباشرة للمواطنين حتى لا تقدم في صورة مسيئة لهذه الأجهزة وللناس وتنتهك حقوقهم على نحو غير مقبول. ثم الا يعني ذلك ان هناك مسافة بين الأهداف التنموية المعلنة، والأحاديث المستمرة التي لا تنقطع ولا تنتهي حول التمكين وبناء القدرات وتأهيل المواطنين وحول منافع التنمية الاقتصادية، وتحرير المواطنين من مستنقع الفقر والحاجة والعوز والاعطيات وكل الآمال العريضة التي بشرنا بها، وحتى تلك المتصلة الآن بالرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 وبخطط وزارات وأجهزة الدولة التي تضع المواطن في قلب عملية التنمية من حيث الوسيلة والهدف واستفادة جميع المواطنين بشكل عادل من جميع منافع النمو الاقتصادي.

مسافة بين ذلك وبين ما هو ملموس على ارض الواقع مما اضطر مواطنين كثر الى اللجوء لأسلوب المناشدات والاستنجادات والاستغاثات.
الأمر برمته يعني كل ذلك وأكثر، ويمكن ان نكتشف دون عناء يذكر بأن هناك الكثير من أوجه الخلل التي تستوجب ان تؤخذ مأخذ الجد، وأنه برغم استخدام مختلف اللافتات النبيلة في هذا الموضوع الذي نحن بصدده، الا ان القضية تبقى في أصلها ومنتهاها في حاجة قبل كل شيء إلى فهم ما تعنيه تلك المناشدات والاستغاثات التي نتلقى أصداءها وإيقاعاتها كل يوم تقريباً، وان لا نهوّن من هذا الفعل او نسوغه او نبرره لأن لو كل الجهات ذات الصلة قد قامت بدورها كما يجب، ولو اعتبرنا ان كل قصور او تقصير من جهة ما، او مسؤول ما مستوجب للمواجهة، وتفعيل المساءلة والحساب لما بلغ الحال الى ما تثير المواجع، التنمية الحقيقية عملية لها مدخلات ويترتب عليها مخرجات ذات وجه مجتمعي يتصل في الإجمال بتحقيق الرفاه الاجتماعي، ولكن تبقى المعضلة كامنة أصلا في الإدارة فهي ان امتلكت الكفاءة والمقدرة توصلنا إلى الجوهر الحقيقي بعيداً عن أن تكون مبتورة الجذور لا تنمو ولا تثمر ولا تعطي عائداً وان أعطت فهو عطاء اقل ما يمكن ان يقال فيه بأنه مقرون بكل ما يمكن حشده من علامات الاستفهام والتعجب.


إدارة العملية في حد ذاته موضوع يتطلب مراجعات من كل حدب وصوب إذا أردنا بلوغ المعالجات الحقيقية والفاعلة لشؤون وقضايا الناس والمجتمع.