المنشور

كفانـا مزايدات


حينما يكون الاختلاف حول تقييم التاريخ السياسي في البحرين أو أية ظاهرة اجتماعية واقتصادية وثقافية فهذا حق للجميع.. حق ينبغي احترامه لانتا نحن في عصر الحريات ، والإنسان حر فيما يعتقد من أفكار وآراء شريطة أن لا يتعدى على حرية الآخرين.

ولكن ماذا عن الاختلاف الذي ينفي كل شيء مخالف له؟ نسأل هذا السؤال للذين يدّعون في اللجنة المتابعة لملف ضحايا مرحلة قانون أمن الدولة بان التاريخ السياسي في هذه البلاد لم يبدأ إلا في عقد التسعينات!! لا نعتقد ان كل من يناصر هذا الادعاء هو على بينة ودراية ومعرفة وإلمام بالتاريخ السياسي والوطني الذي امتد اكثر من خمسة عقود ولكن يأتي هذا الادعاء او هذه التصريحات من عناصر تدّعي الوطنية فهذه مزايدة سياسية مرفوضة.

على اية حال للذين يدعون بذلك نقول لهم: كفانا مزايدات من أناس يدركون تماماً أنهم تحولوا بقدرة قادر من وعاظ ودعاة في دور العبادة الى منظرين سياسيين وهم في الحقيقة من الطارئين على السياسة وبشكل أدق من جماعات الإسلام السياسي التي لا تعترف بالآخر من منطلق الشعار الشهير «احنا وبس والباقي خس» ومع احترامنا وتقديرنا بكل تضحيات التسعينات إلا أن هذه الادعاءات المغلوطة تشكل توجهاً خطيراً لان المشكلة كما قلنا ليست في الاختلاف فيما يتعلق بالنقد والتقييم لهذا التاريخ كي يعطى دفعة للتجديد والوقوف على الأخطاء والسلبيات وإنما المشكلة تكمن في نسف هذا التاريخ بأكمله!! وهذا ما يثير الاستغراب.

لقد ناضل الشيوعيون والقوميون واليساريون نضالاً عنيفاً ضد المستعمر في سبيل الاستقلال الوطني والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في وقت لم تعرف فيه البحرين لا الأصولية الدينية المتطرفة ولا الطائفية التي أصبحت الآن وللأسف محور التصنيف في المجتمع البحريني.
واليوم يأتيك من يتنكر لهذا التاريخ الذي شهد تضحيات كبيرة وشهد أيضا صراعات سياسية وطبقية كانت من أهم نتائجها تعميق الحس الوطني والطبقي والوعي السياسي والقومي والاممي.

ومن المفيد هنا ان نشير الى ما قاله الاخ حسن مدن في مقالة له ” تاريخنا لم يبدأ في التسعينات” التركيز على تسوية ملف من تعرضوا للأذى المعنوي والجسدي في عصر التسعينات يجعل المرء يتساءل: ما إذا كان القمع محصوراً في تلك الفترة او ان التاريخ السياسي والاحتجاجي في البحرين بدأ في التسعينات فقط، وقبل ذلك لم يكن هناك من طالب بالعدالة والحرية والتقدم والديمقراطية وناضل من اجلها وقدم في سبيل ذلك التضحيات الشيء الكثير، اذن مرةً اخرى مثل هذه المغالطات التاريخية لا يصعب فهمها فهي ترتبط بالفكر الأصولي الاقصائي الذي لا يزال يعتقد بوعي او من دون وعي: ان التحولات التي شهدتها البحرين منذ إطلالة ميثاق العمل الوطني عام «2000» وما ترتب عليها من انفراج على صعيد الحريات وحقوق المرأة السياسية ومشاركة شعبية في المؤسسات المنتخبة من برلمان ومجالس بلدية تعود الى عقد التسعينات الذي عرف عنه بعقد التطرف السياسي، في حين ان ما حدث في البحرين من منجزات سياسية ليست بمعزل عن الارادة الملكية ولا عن نضالات هذا الشعب عبر عقود طويلة من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان والتقدم الاجتماعي.

وبصراحة صحيح ان التاريخ السياسي ليس حكراً على احد ولكن ان يتعرض هذا التاريخ الى تشويه وانتقاص وإلغاء فهذا لا يمكن السكوت عليه او مهادنته، وبالتالي ما يجب التأكيد عليه هو ما قاله “مدن” ان المعالجة الوطنية الشاملة لملف الضحايا في مختلف المراحل هي رد اعتبار لمناضلي هذا الوطن ولمبدعيه ورموزه ومثقفيه الذين صنعوا مجد البحرين وطافوا العالم حاملين اسمها.
 
الأيام 11 يوليو 2009