المنشور

مردة الاقتصاد العالمي الأربعة «BRIC»

سجل يوم السادس عشر من يونيو الماضي حدثاً مهماً في تاريخ الاقتصاد العالمي. قادة رباعي مجموعة بلدان «BRIC»  وهي بالترتيب (Brazil, Russia, India and China) عقدوا قمتهم الأولى في مدينة إيكيترينبورغ الروسية لبحث طيف واسع من القضايا الاقتصادية الكونية، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية العالمية، إصلاح النظام المالي العالمي، التجارة العالمية والاستثمارات. وقد شكلت هذه القمة فرصة لبلدان المجموعة من أجل تعميق علاقاتها الاقتصادية وللبحث عن أرضية مشتركة حول مختلف القضايا. وهذا ما سوف يزيد من تأثير مجموعة «BRIC» في الحياة الاقتصادية الدولية مستمدة قوتها سواء من جوانب تشابه أو فوارق اقتصاداتها.
لقد ظهر مصطلح «BRIC» في الكتابات الاقتصادية في العقد الأخير من السنوات وقبل انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية للتأشير على ما يمكن أن تلعبه هذه الاقتصادات الناشئة في الاقتصاد العالمي مستقبلا. وبالمناسبة فإن المصرف الأميركي Goldman Sachs هو الذي ثبت نهائياً في أحد تقاريره المنشورة العام 2002 إدراج مصطلح «BRIC» في التداول في التقارير الاقتصادية الدولية. أما بعد ظهور الأزمة فقد بدأت المجموعة تتحرك رسمياً لتشكيل إطار يضمها ليتوج ذلك بانعقاد القمة الأولى المذكورة.

كان ممثلو هذا الرباعي قد التقوا العام الماضي على هامش الاجتماع الموسع لمجموعة الثمانية الكبار في اليابان، حيث هناك ولدت فكرة تنظيم قمة منفردة لقادة بلدان المجموعة التي لم تزل تصورية بعد. وإلى حد ما لا تزال بلدان مجموعة «BRIC» تعبر الأزمة العالمية بنجاح.

وحسب تنبؤات (EIU) «The Economist Intelligence Unit »، فإن الناتج الإجمالي المحلي للصين سوف ينمو بمعدل 6.8% هذا العام، بينما سينمو الاقتصاد الهندي بمعدل 5.5% والروسي بمعدل 5%. البرازيل وحدها ستحقق معدل نمو غير جيد بحدود 1.5% فقط. وببعض التفصيل تشير التنبؤات ذاتها إلى أن تطور اقتصادات بلدان مجموعة «BRIC» منذ بداية الألفية الجديدة يبين مدى صعود دورها في الاقتصاد العالمي من 8% العام 2000 إلى 14% (أو ما قيمته 8.6 ترليون دولار) في العام الأخير، وسيرتفع ذلك إلى 20% بحلول العام .2013 وبالطبع يتفاوت أداء بلدان المجموعة بشكل واضح. ففي حين ارتفع إسهام الصين في الاقتصاد العالمي من 3.7% العام 2000 إلى 7% في العام الماضي وسيزيد على 11% مع العام ,2013 فإن إسهام الهند البالغ حالياً 1.9% سوف يواصل الازدياد في السنوات الخمس المقبلة، بينما سيبقى إسهام البرازيل في الاقتصاد العالمي عند مستوى ثابت بنسبة تقارب 2.6%. أما روسيا بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية فسيهبط إسهامها من ذروته التي بلغت 2.8% العام ,2008 لكنهــا ستعــود في الصعــود تدريجيــاً فيما بعد.

غير أن المراقبين نظروا إلى هذه القمة من زوايا وبتقديرات مختلفة. ماري جيغو من صحيفة «لوموند» الفرنسية رأت أنه بحصيلة القمة تمخض الجبل فولد فأراً. فالبيان الختامي لم يذكر كلمة واحدة عن العملة الاحتياطية العالمية البديلة للدولار الأميركي. وقد استدلت الصحيفة من ذلك على أن إطار «BRIC» ليس سوى تحالف شكلي. إن لهذه البلدان الأربعة مقامين مشتركين، هما الحجم والقدرات الكامنة. ورغم تزايد حجم التجارة البينية في إطار المجموعة، إلا أنها لاتزال تفتقد إلى استراتيجية مشتركة. إن كلا من هذه البلدان يعيش أزمته الخاصة، بحسب ماري فيغو. فإذا كانت الصين والهند تحافظان على معدلات نمو إيجابية، وفي البرازيل يُلحظ ركود غير كبير، فإن روسيا تعاني من الإنهيار. وتتساءل الصحفية «ألن يتحول (BRIC) عاجلاً أو آجلاً إلى (BIC) فقط؟» (أي باستثناء روسيا منه(.

هل ستصبح قمم BRIC تقليداً منذ الآن فصاعداً؟ هذا ما كان يتساءل عنه المراقبون قبل انعقاد القمة الأولى. وأكثر من ذلك فإن فابريس نودي – لانجلوا (Node-Langlois, Fabrice) من صحيفة «لا فيغارو» رأى أن روسيا بعد دعوتها لقمم الثمانية الكبار، ثم لمجموعة العشرين لم تعد مهتمة بهذا الإطار الرباعي كما في السابق.
غير أن الرئيس الروسي في مؤتمره الصحافي الختامي الذي حضره قادة الصين والهند والبرازيل قال إن «الزعماء الأربعة الشركاء كلفوا وزراء المالية في بلدانهم بأن يعكفوا على دراسة معايير محددة لمعمار بناء النظام المالي العالمي الجديد». لم يطنب الرئيس الروسي في الحديث عن طبيعة هذه المعايير، لكن من هذه المعايير ما اتضح بعد القمة مباشرة. فإذا كانت الصين وروسيا لم تشددا في القمة على طرح مسألة العملة الاحتياطية العالمية البديلة للدولار الأميركي خشية أن يؤدي انهيار سعر صرف الدولار بشكل دراماتيكي ومفاجئ إلى انهيار قيمة احتياطات البلدين نفسيهما، فإن كلا منهما أخذ يطرح في الفترة الأخيرة بصوت أعلى من ذي قبل عملته الوطنية على أنها المرشح البديل. ومن أهم المعايير المطروحة حتى قبل انعقاد القمة هو زيادة حصص هذه الدول في صندوق النقد الدولي وتغيير نظام إدارته بالكامل. لكنه لا يمكن تحقيق ذلك من دون موافقة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي التي تمتلك حصة الأسهم المقررة في هذا المؤسسة المالية الريادية (17% و33% من مجموع الأصوات). إذا كان تحقيق ذلك غير ممكن، وإذا كانت موازين القوى الاقتصادية والسياسية الدولية ستتغير حتماً، فما سيكون عليه مصير صندوق النقد الدولي وسط خارطة المستقبل؟


 
الوقت 6 يوليو 2009