المنشور

أمـن الخليـج: حديـث متجـدد


منذ عدة سنوات وضع كاتبان أمريكيان تقريراً عن الأوضاع في منطقة الخليج العربي وأفقها المستقبلي، محوره دعوة دول المنطقة إلى ما وصفاه بـ “التعايش مع المتغيرات”، منطلقين من حقيقة شبه الاحتكار الأمريكي الحالي لكل من النظام الأمني والترتيبات الأمنية الأحادية الجانب، مما يؤجل عملياً العمليات الجيوسياسية العادية في الخليج.

ويلاحظ كاتبا التقرير وهما: أي فولر وايان اوليسر إن هذا الأمر يشجع القوى المحلية تجنب التعامل بوضوح مع بعضها البعض في تلك المسائل التي تمس الاستقرار، ويقول التقرير أن التحرك نحو بنيان امني إقليمي فعال هو أمر أساسي إذا ما أريد التقليل من المخاطر. ورغم أن التقرير صيغ بروحية أن أمن الخليج هو مسؤولية الولايات المتحدة في المقام الأول وحلفائها الغربيين إلى حد ثانوي، ويغفل، لا بل يفند، مقولة أن يكون هذا الأمن جزءاً من منظومة الأمن الإقليمي المتفاهم عليه بين دول المنطقة في سياق اشمل للأمن العربي، ويبرز بصورة مكبرة أن دول الخليج الصغيرة المنتجة للنفط غير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد اللاعبين الكبار في المنطقة، فانه لا يستطيع الهروب من الإشكالات الكثيرة الناجمة عن إشاعة مفهوم أن أمن المنطقة سيظل مهمة الدول المستفيدة من نفط الخليج.

المغيب في مثل هذه الأطروحات هو أن في هذا الخليج شعوب ودول معنية بمقدار لا يقل بأمن هذه المنطقة، الذي هو أمنها وأمن أجيالها القادمة في الدرجة الأولى، ورغم أن دول المنطقة خطت خطوة، لا بل خطوات، في الاتجاه الصحيح بتشكيلها لإطار مجلس التعاون الخليجي كوحدة إقليمية تمتلك درجة كبيرة من التجانس، وبتمكنها من الحفاظ على استمرار هذا الكيان رغم بعض الخلافات، ورغم الهزات الكبيرة التي عرفتها المنطقة، لكن يظل أن المنتظر من هذا الإطار أكبر بكثير من المنجز. وفي هذا السياق فان هناك قضايا بحاجة إلى تسوية لبلوغ التوافق حول موقف خليجي واحد ومتسق إزاء التحديات المصيرية لدول المنطقة، خاصة في تلك المسائل التي تمس الجانب الأمني، ونعني به تحديداً سيادة هذه الدول واستقلالها ليس إزاء بعضها البعض فحسب، وإنما بينها مجتمعة وبين الخارج، أكان ذلك على صورة قوى إقليمية أو دولية.
 
نقول ذلك وفي الذهن انه لو كانت الأمور مثالية لما جاز الحديث أصلا عن علاقات خليجية – خليجية إلا بمقدار أهمية توطيد هذا النوع من العلاقات وصولاً إلى توحيد المواقف إزاء الخارج، جاراً هذا الخارج كان أو صديقا أو حليفاً أو عدواً.

إن مجلس التعاون الخليجي لو أخذ كوحدات مستقلة لكنا إزاء دول صغيرة المساحة ومحدودة السكان، وحتى إذا أخذناه كمجموع فانه سيغدو مجموعا لهذه الوحدات الصغيرة التي تجعل منه هو الآخر قوة صغيرة، مع مراعاة إن الجمع بين وحدات متناثرة يضفي عليها قوة نوعية تتعدى التجميع الكمي، لكن يظل أن قدر هذه المنطقة وأهلها أنها ليست قوة ضاربة، لذا فان المصلحة الوطنية تقتضي أن يصل الخليج إلى مستوى يجعل من إطاره الإقليمي الذي حافظ على ديمومته منذ أن تشكل حتى اليوم، إطارا يتعدى حدود التنسيق والتشاور ليصبح أداة صنع سياسة موحدة.