المنشور

الا نشـقاق أو الا ندماج


هناك آفتان تهددان الفرد في عالم اليوم. الآفة الأولى هي قوة الامتثال للعادة، الامتثال للسائد. في “مقالات امرسون” فصل أسماه: “الاعتماد علي النفس”، خص فيه هذه الآفة بالذات بكلام كثير، حين لاحظ أن الطبيعة نفسها لا تتلكأ في تزويدنا ببدلة السجن العائد للجماعة التي نشايعها أو ننتمي إليها.

الإنسان لكي يكون إنساناً عليه أن يكون مُختلفاً، غير خانع لما يملى عليه دون التبصر في أمر هذا الذي يُملى، رغم أن العالم يعاقبك على انشقاقك عنه بالجلد بسوط استيائه، لكن على المرء أن يمارس حرية اختياره لما يراه صائبا طالما اطمأن أن نطاق هذه الحرية مسؤول.

هذه الآفة ناجمة عن ذلك التناقض بين ما نظنه صائبا وبين ما يظنه المحيط الذي يحتوينا غير ذلك، فنقع في مأزق التوفيق المستعصي بين ما نراه نحن وما يراه الآخرون، ويتعين علينا حينها إما الانحياز الجسور لما نظنه صائبا، أو الانسياق إلى ما يراه الآخرون، إما الانشقاق أو الاندماج في القطيع.
والناس فيما يذهبون إليه مذاهب، فمن أُعطي من القوة والجسارة ما هو كافٍ لتحمل تبعات ذلك التمرد فعل، أما من اختار طريق السلامة، فهو ميسر له بإعلان ذلك الاندماج الذي من ضروراته أن نخسر ذواتنا.

لكن ثمة آفة أُخرى كامنة في ذواتنا، هذه المرة، هي الثبات، وعلى المرء بالطبع إن تكون له في هذه الحياة ثوابت، لكن التمسك ببعض ما قلناه أو فعلناه حتى لو كشفت الحياة عدم صوابه هو من قبيل العتة. عن ذلك يقول مقال امرسون المشار إليه أعلاه: الثبات الأحمق هو بعبع العقول الصغيرة، حيث يقدسه صغار السياسيين والفلاسفة، إن الروح العظيمة لا شأن لها بالثبات. انه بالنسبة لها مثل الانشغال بظل المرء على الجدار. هذا كلام كتب في القرن الماضي، لكنه كلام يصح على الحاضر كما صح على الماضي وكما سيصح على المستقبل أيضاً، بمعنى أن على الإنسان أن يضع أفكاره دائما على محك الاختبار في الحياة، يطورها ويضيف إليها ويتخلص من الزوائد فيها، أن تكون للمرء جرأة في أن يقول لا للمحيط حين يعجز عن التآلف مع هذا المحيط، وان يقول لا لنفسه أيضاً حين يشعر أن هذه النفس تخونه فيما يراه صائبا.