المنشور

الفقر والفساد في الوطن العربي


حول العلاقة الجدلية بين ظاهرتي الفقر والفساد يعالج “سمير التنير” في إصداره الحديث “الفقر والفساد في العالم العربي” هذه العلاقة مسلطاً في البدء الضوء على الفساد من حيث أسبابه وأبعاده الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة وميادينه في المجتمع التي يقول عنها “سليم الحص” في مقدمة الكتاب متعددة ومتشعبة ويقول أيضا أن اخطر درجاته تتجلى في تنامي ظاهرته على وجه يبرر الحديث عن ثقافة الفساد او بالأحرى عندما يدخل في صلب ثقافة المجتمع فان مكافحته تغدو صعبة وشديدة التعقيد.
ويرى “التنير” ان الفساد كظاهرة منتشرة بين مختلف الأنظمة السياسية من الجمهوريات الديمقراطية الأولى هي التسبّب بإضعاف الدولة وهيبتها وفي الدكتاتوريات العسكرية وفي النظم الاقتصادية المختلفة من الاقتصادات المفتوحة والاقتصادات المغلقة له أنواع عديدة ومن الأسئلة التي تثير الكاتب هل هو ظاهرة يصعب السيطرة عليها ام انه ظاهرة يختص بها بلد معين في وقف معين؟ كيف يمكن اكتشافه بسرعة وما هي الوسائل المتاحة للقضاء عليه؟ واي دور يلعبه في هذا المجال أصحاب السلطة المرتبطون بالطبقة السياسية الاقتصادية الفاسدة؟

ويلفت المؤلف الانتباه الى النتائج السياسية والاقتصادية للفساد، اذ يعتقد ان النتيجة السياسية الأولى هي التسبّب بإضعاف الدولة وهيبتها في الداخل والخارج وعند ذاك تتهاوى الرقابة والمتابعة وينتشر جو الفساد، أما الحكم على مدى قوة وضعف الدولة فيمكن ان يتبين أولا من مدى الغموض والشفافية في معاملات الدولة الاقتصادية وثانياً من مدى إتباع الإجراءات والنظم الموضوعة في التعيينات وثالثاً من قصور أجهزة الرقابة وفعاليتها.

على الصعيد الاقتصادي هناك تأثيرات سلبية للفساد فهو يعوق الاستثمار والتنمية الاقتصادية ايضاً ويرفع من كلفتها ومن هنا وفي إطار التأثيرات ذاتها يتحدث عن الفساد كسبب يؤدي إلى انخفاض الإيرادات العامة ويزيد من النفقات ويقلل من التنوع والجودة والكفاءة ويحجب الإنفاق العام عن مجالات مطلوبة تهم المجتمع والاهم انه يزيد من الفقر وعدم العدالة في توزيع الدخل ويؤدي الى تقليل فرص الفقراء في الحصول على حقهم الطبيعي في وظائف الدولة.

وعلى صعيد آخر، يكشف المؤلف عن أهمية مكافحة الفساد السياسي وسوء استخدام السلطة ليس في دول العالم الثالث فحسب بل في العديد من الدول المتحضرة ومن هنا يعتقد ان مكافحة الفساد السياسي يتطلب إجراءات ضرورية حماية للمجتمع والديمقراطية لأنه يهدد القوانين القاضية بالمساواة في العدالة وفي التمثيل الصالح ويؤدي الأداء المشوه للأحزاب السياسية وللأفراد حين استعمال المال إلى انصرام الثقة بالمجالس السياسية.

ومن هذه الإجراءات الهامة أيضا وضع قواعد للتمويل السياسي ووضع قوانين للإنفاق السياسي وبخاصة فيما يتعلق بشراء الأصوات في الانتخابات العامة وبالتالي لابد من مراقبة التبرعات كما يجب الالتزام بالشفافية بواسطة الإعلان عن المال السياسي والتحقق من وجهته والتحقق من فاعلية أنظمة الرقابة وأنظمة فرض تطبيق القانون.

أما بخصوص الفقر لكونه ظاهرة تتصدر المشهد الاجتماعي في الدول العربية فمؤشراته خطيرة مقلقة وبالتالي فالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعتها هذه الدول لم تساهم فقط في تعميق هذه الظاهرة بل أصبحت البيئة الحاضنة للسياسات الاقتصادية الخارجية التي ساعدت في تنامي الفقر أي ارتفع معدل هذه الظاهرة إلى ما يزيد عن ثلث السكان (34 – 36 في المائة). ويرى المؤلف ان التباين في النظر إلى أهمية الفقر يعود إلى التباين في توزيع الدخل ولا سيما ذلك الجزء الذي يسمى “بالفائض” والذي يتحقق من النشاط الاقتصادي في الدول العربية متوسطة الدخل ومن “الريع” في البلدان النفطية ويقود الفقر الى تفشي ثقافته التي تؤدي في النهاية إلى إحساس غالبية المهمشين ولاسيما الشباب منهم بالغربة عن وطنهم وتطلعاتهم الى الهجرة، كما يؤدي عدم المساواة الى صراعات تقيد حركة المجتمع في سعيه الى الحداثة والتقدم بسبب استبعاد كتلة بشرية ضخمة هي مجموعة الفقراء.. ولا تقتصر – كما يقول المؤلف أسباب انتشار الفقر على ندرة الموارد الطبيعية وعلى السياسات الاقتصادية، بل تشمل أيضا اتجاهات الاقتصاد العالمي والمتغيّرات الخارجية المؤثرة في ظاهرة الفقر او في الحد منها ولاسيما ان الحكومات العربية سارعت الى توسيع حالة الانفتاح الاقتصادي والتجاوب مع أجواء العولمة خلال العقدين الماضيين. وأدى تطبيق تلك السياسات الى نشوء أوضاع اقتصادية جديدة ساعدت على انتشار الفقر الذي تتطلب مكافحته وضع برامج إنمائية خاصة تنسجم مع البيئة الاقتصادية والثقافية والتمسك بدولة الرعاية الاجتماعية وتحسين مناخ الاستثمار ويتطلب أيضا فرض سيادة القانون والحكم الصالح.


الأيام 4 يوليو 2009