المنشور

هكذا يرحل الطغاة.. أذلاء مهانين

يرحل الطغاة والجلادون من الرؤساء في دول العالم الثالث عامة والوطن العربي خاصة، بمزيد من الاذلال والمهانة.. لكونهم قد أذاقوا شعوبهم ومجتمعاتهم فداحة الظلم الاجتماعي، وعسف القهر السياسي.
هكذا رحل أحد أقطاب هؤلاء الطغاة مؤخرا، وهو الرئيس السوداني الدكتاتوري الاسبق جعفر نميري، غير مأسوف عليه، هذا الدكتاتور حكم الشعب السوداني بقبضة من حديد طوال ستة عشر عاما، ما بين (1969 و1985) ضمن اقامته نظاما أوتوقراطيا عسكريا محوره السياسي (مظاهر البطش والعسف).. وتنظيمه الاجتماعي هو (فتح السجون والمعتقلات ونصب أعواد المشانق).. ومن ثم بدل هذا الجلاد جلدته في تلونه كالحرباء، بعد ان غير افكاره ونهجه السياسي من اقامة نظام الشمولية العسكرية، الى اقامة نظام الشريعة الاسلامية في عام 1983م وانزال الحدود على رقاب المناضلين من خلال هذا النظام، بدعم من مستشاريه ومرجعياته الدينية من تيار الاسلام السياسي وعلى رأسهم الاخواني المتشدد المراوغ حسن الترابي.
رحل جعفر نميري بشكل مهين.. مثلما عاش حياته طريدا في المنفى بأكثر مهانة.. ولعل رحيله كما اسلفنا الذكر كان مهينا.. فان جنازته كادت ان تكون الشاهد على الحقائق المرة والوقائع الموجعة، لمروغها في اوحال الذل ايضا.. إذ ان الشعب السوداني المناضل بملايينه سيظل هو الشاهد الاخر على ان هذه الجنازة لم تجد من يمشي فيها سوى أقل من ثلاثة آلاف من اتباع صاحبها وزبانيته، الذين استفادوا من حكمه الدكتاتوري وامتصوا رحيق خيرات الوطن وسرقوا مقدرات الشعب.. بحسب ما سعى النميري طوال فترة حكمه الى افلاس خزانة الدولة والى انهيار الاقتصاد الوطني، على حساب جمعه الثروة الطائلة واختلاسه مليارات الدولارات.. ناهيك عن انتشار المجاعات التي عمت البلاد وخاصة دارفور وكردفان وشرقي السودان، التي ذهب ضحيتها الآلاف من المواطنين، على اثر شد الاحزمة على البطون حتى الموت.
ومثلما اشتهر جعفر نميري بالفساد السياسي والاقتصادي.. فانه جزأ جنوب السودان الى ثلاث مناطق قائمة على التقسيم والصراع والتشرذم والشريعة الاسلامية.. الامر الذي ادى الى اشعال فتيل الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب التي راح ضحيتها أكثر من مليوني شخص.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فان التاريخ مثلما لاحق الدكتاتور جعفر نميري اثناء حياته لمحاكمته، فان وصمة العار ستلاحقه حتى بعد مماته والى الابد.. ذلك لما قام به من عمل اجرامي في حق خيرة مناضلي الحزب الشيوعي السوداني، ونصب اعواد المشانق في اليوم التاسع عشر من يوليو 1971م، واعدامهم، وفي مقدمتهم المناضل عبدالخالق محجوب امين عام الحزب الشيوعي السوداني، والمناضل النقابي الشفيع احمد الشيخ الامين العام لاتحاد العمال العالمي.
ومثلما رحل نميري إلى مزبلة التاريخ، فان الشهداء من مناضلي الحزب الشيوعي السوداني ظلت مكانتهم في قلوب وعقول الشعب السوداني كبيرة، بل في وجدان الشعوب والامم المناضلة في كل مكان.. ويأتي انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي السوداني الاول في أواخر يناير عام 2009م، ليؤكد انتصار شهدائه ومناضليه، والشعب السوداني على حد سواء.. بقدر ما يرسخ مكانته التاريخية والوطنية والمبدئية في أرضية الواقع المجتمعي الملموس للسودان، ويعزز نضالاته وتضحياته وانجازاته ومكتسباته، ضمن مؤسسات المجتمع المدني، كحزب قيادي جماهيري، امتلك البرنامج السياسي ووضوح الرؤى الفكرية والايديولوجية.. بحسب ما حاز مناضلو الحزب ثقة واحترام الشعب السوداني بمختلف قطاعاته وفئاته وطبقاته، وفي مقدمتها طبقة البروليتاريا الكادحة.. بينما يظل الطغاة والدكتاتوريون خارجين عن طبقات الشعوب، وعن ثقة الشعوب، وغرباء عن أوطانهم بمزيد من الذل والمهانة.. بل يكون مصيرهم السحق والمطاردة والتشرد، بثورة الشعوب التي تلاحقهم وغضبة المناضلين التي تطيح بهم.. ولعل الدكتاتور جعفر نميري يمثل انموذجا حيويا لهؤلاء الطغاة وأولئك الجلادين في دول العالم الثالث امثال موبوتو سيسكو وبينوشيه وعيدي أمين وضياء الحق وفرديناند ماركوس وسياد بري وحسين ارشاد، الذين أوصلتهم محاكمة الشعوب الى أسفل الدرك.. بقدر ما دونت اسماء هؤلاء المجرمين في حق شعوبهم في سجل الدكتاتوريين والمستبدين.

صحيفة اخبار الخليج
3 يوليو 2009