المنشور

ضد التوقيف الإداري للصحف

كان طبيعياً أن يتداعى الجسم الصحافي والحقوقي في البلاد للاحتجاج على قرار توقيف صحيفة “أخبار الخليج” توقيفاً إداريا بدون العودة للقضاء، ودون الإعلان عن الأسباب التي تقف وراء مثل هذه الخطوة.
وبات متداولاً أن سبب الإيقاف يعود إلى مقال نشر في الصحيفة المذكورة يتصل بتطورات الوضع في إيران، وليس ضرورياً أن نتفق مع كل ما ورد في هذا المقال، لكي نعلن تضامننا مع الصحيفة المعنية في وجه قرار إيقافها، انتصاراً منا لحرية التعبير عن الرأي، وبصورة خاصة تمسكاً بحرية الصحافة وأجهزة الإعلام في البلد.
هذا القرار خطير، لأنه يطال هذه الحرية، ويطلق يد السلطة التنفيذية في المساس بحق التعبير، والأخطر من ذلك فان هذا القرار غير المسبوق منذ زمن طويل يشكل سابقة يمكن أن تتكرر في المستقبل، وتطال صحفاً أخرى، وربما لأسباب أخرى وأكثر أهمية، إذا ما ضاقت السلطة التنفيذية أو أي جهاز من أجهزتها ذرعاً بما قد تنشره من آراء أو أخبار.
ليست الصحافة فوق المساءلة القانونية، ولكن مثل هذه المساءلة يجب أن تكون عبر القضاء الذي عليه أن ينظر في أي قضية تتصل بما تنشره هذه الصحافة، وبوسع السلطة التنفيذية أن تلجأ للقضاء إذا ما قدرت أن هناك تجاوزاً أو مخالفة للقانون، لكن أن تلجأ السلطة التنفيذية ذاتها لإيقاع العقوبة على أية وسيلة إعلامية دون مقاضاتها، فذلك تجاوز خطير، ولا يعبر عن الرغبة في تكريس مفهوم دولة القانون والمؤسسات الذي تلهج به الألسن صباحاً ومساءً.
إن الإقدام على توقيف صحيفة يومية، أو أية مطبوعة أخرى، بقرار إداري يكشف أن الدولة لا تريد أن تعتاد على التصرف بروحية هذا المفهوم، وأن تعتاد العمل في المناخ الجديد المتاح في البلاد بأساليب تناسب هذا المناخ، ولا تنتسب إلى الماضي، الذي كانت الدوريات تعطل فيه لممدد طويلة، دون حكم من القضاء، وقبل أن يحال الأمر إليه.
ودعوتنا إلى الاحتكام للقانون في هذا السياق لا تعني القول أن التشريع الذي ينظم شؤون الصحافة والمطبوعات مُرضٍ، فلدى العاملين في الصحافة والحقوقيين والناشطين في المجتمع المدني العديد من الملاحظات الجوهرية عليه، وما زالت الأعين تتجه نحو قانون تقدمي في هذا المجال، يليق بالدينامية السياسية في البلاد، ويكون حراً من القيود والكوابح الكثيرة الموجودة في القانون المعمول به على حرية الصحافة والتعبير.
ويبدو بديهياً أن المجتمع الذي يطرح على نفسه هذه المهمة لا يمكن أن يستسيغ تدابير إدارية قسرية تطال الصحافة، وتنال من حقها في التعبير، ولا يتصل الأمر هنا بمحتوى هذا التعبير الذي قد يكون محل اتفاق أو اختلاف من قبلنا أو من قبل غيرنا، فليس هذا هو الموضوع.
الموضوع يكمن تحدياً في أن نضمن للصحافة ولوسائل الإعلام حقها في التعبير، أما الخروج عن ضوابط هذه الحرية، فان تقديره عائد للقضاء وحده، خاصة إذا ما احتكم هذا القضاء لقانون تقدمي وديمقراطي للصحافة كالذي نطالب به.
 
صحيفة الايام
25 يونيو 2009