المنشور

خطورة أن يكون التصدي للتجنيس طائفيا!


سيظل ملف التجنيس لدواعٍ سياسية يستحق وقفات، لا وقفة واحدة، لأنه من المعيب أن يجري هذا التجنيس، بالصورة التي يتم بها، وسط صمت المجتمع ولا مبالاته أو تغاضي فعالياته السياسية والاجتماعية عنه.

ويهمنا هنا التأكيد على خطورة أن يكتسب التصدي لملف التجنيس طابعا طائفيا، وفي عبارات واضحة أن يبدو  من يعارض التجنيس هم النواب الشيعة أو الجمعيات ذات الطابع الشيعي أو الجمهور الشيعي فقط ، فيما تلوذ الجمعيات السنية والنواب السنة أو حتى الجمهور السني بالصمت إزاء ما يدور.

وقولنا هذا يحمل معنى مزدوجاً، بمعنى أن على الجمعيات السياسية المتصدية للتجنيس، بصورته المريبة، أن تسعى، ما أمكنها، وأن تبذل من الجهود، ما في وسعها، لكي لا يكون التصدي للتجنيس شيعياً، فتبدو المسألة كأن الشيعة يعترضون على تجنيس آسيويين أو عرب لأنهم سنة، وللأسف فان هذا المنزلق قائم ومظاهره ليست قليلة، ومن جهة أخرى تبدو الجمعيات والفعاليات المؤثرة في الجمهور السني تتعاطى مع الأمر وكأنه لا يعنيها، طالما كان هدفه المتداول إحداث “توازن” طائفي في البلد، على نحو ما يشاع.

أي مقاربة طائفية، من هنا أو هناك، ستكون مقتلا ً للتعاطي الصحيح مع ملف التجنيس الذي ورطت الدولة به مجتمعها وفق حساب خاطئ .نحن ندعو للنظر إلى هذا الملف من زواياه المختلفة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

سياسيا تخطيء الدولة إذا كانت تفكر أنها بهذا التجنيس تضمن كتلاً موالية تعول عليها في ترجيح كفتها، لا في الانتخابات وحدها، وإنما في الحساب السياسي العام. الدولة ليست مضطرة أبدا لأن تستقوي على مجتمعها الأصلي بسنته وشيعته من خلال هذا التجنيس الخالي من الضوابط ، بل أن المجنسين بالنظر إلى البيئات المحافظة وقليلة الحظ من التعليم والثقافة التي يجري اختيار المجنسين منها يمكن أن يشكلوا قنبلة موقوتة لن تكون الدولة ذاتها بمنجاة من آثارها، وهناك مؤشرات أولية على ذلك.
 إن الطريق الأجدى والأسلم على المدى المنظور والبعيد هو في تعزيز التصالح مع المجتمع وتكريس فكرة الشراكة معه.وهذا أمر قلنا فيه الكثير .

اجتماعياً، التجنيس بالصورة التي يتم بها، سيجر تبعات اجتماعية ستظهر آثارها المدمرة بعد حين لن يطول، فالفكرة ليست في منح الجوازات وتوزيع الجنسيات على كل من هب ودب، وإنما في سياسة الدمج الثقافي والروحي في المجتمع، وهذه مهمة صعبة، لكي لا نقول مستحيلة، لأن من يجنسون هم في الغالب الأعم مجموعات خارج السياق المحلي الراسخ ومتنافرة مع نسيجنا الوطني .

اقتصادياً، نحن دولة تشكو من قلة الإمكانيات ومن صغر المساحة ومن الكثافة السكانية العالية ومن نقص الخدمات الضرورية للمواطنين في السكن وفرص العمل والخدمات الطبية، وبدلا من إتباع سياسة تنموية متوازنة قائمة على زيادة الوعي بالحد من التناسل، والارتقاء بالخدمات، واحتواء مظاهر الفقر المدقع، نجدنا نغرق البلاد بقوافل من المجنسين الجدد الذي لا يجمعهم جامع مع المجتمع .

هذه هي الأبعاد التي يجب أن تكون محور أي تحرك مضاد للتجنيس، وهي أبعاد تعني المجتمع كله، سنة وشيعة، فحذار من ” تطييف” ملف التجنيس بجعله ملفاً يعني الشيعة وحدهم ، وإن لم يجر تفادي ذلك فلن يعطي أي تحرك أكله المنشود .
 
خاص بالتقدمي