المنشور

أبواب التغيير في إيران وقد فتحت

لم يكن علينا أن نتوقع تغييرات دراماتيكية في السياستين الداخلية والخارجية لإيران، حتى لو كان مير حسن موسوي قد فاز في الانتخابات الرئاسية التي جرت هناك منذ يومين، وتركت نتائجها من التفاعلات والتداعيات المرشحة للمزيد من التصاعد. نقول ذلك وفي الذهن أن مفاصل القرار السياسي في إيران بيد المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي تأتمر بإمرته العديد من الأجهزة والمؤسسات المحافظة في البلاد والتي تشكل ركائز الجمهورية الإسلامية، وعلينا أن نتذكر في هذا السياق ولايتي الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الذي وإن كان قد أفلح في تحسين صورة بلاده الخارجية، فانه لم يتمكن من إحداث تغييرات جوهرية في سياسة طهران إزاء العالم وإزاء ذاتها، ليس لأنه لا يريد، وإنما لأنه كان محكوماً بتوجهات ورغبات المرشد الأعلى. ما كان حظ مير حسن موسوي سيكون أفضل كثيراً من حظ خاتمي لو أنه أصبح رئيساً. للأمر ذاته. مع ذلك فالمشهد الإيراني عشية وغداة الانتخابات الرئاسية يطرح أسئلة جدية، لا عن مستقبل إيران السياسي فحسب، وإنما عن طبيعة التجاذب السياسي – الاجتماعي الراهن فيها بين من باتوا يوصفون بالإصلاحيين وبين المحافظين. والاصلاحيون يمثلون جبهة واسعة متعددة التوجهات من أبناء وبنات إيران الذين ضاقوا ذرعاً بنهج التزمت والانغلاق الذي فرضه المعممون الذين جاؤوا إلى السلطة منذ ثلاثين عاماً، وهو نهج لا يستقيم مع المزاج المنفتح للمجتمع الإيراني وريث واحدة من أعرق الحضارات وأكثرها ثراء، وبعداً عن الانغلاق. إن جيلا جديدا من الإيرانيين والإيرانيات الذين اتحدوا خلف مير حسن موسوي بحثاً عن فسحة حرية أوسع، يمثلون قوة تغيير هائلة ليس بالوسع تجاهلها، حتى لو اتحدت كل القوى المحافظة خلف محمود أحمدي نجاد، لإعاقة المسار الموضوعي لتطور المجتمع الإيراني، الذي بات، من داخله، جاهزاً للتغيير. في الظاهر يمثل محمود نجاد نموذجاً من القيادات «الشعبوية» التي تعمل على تعبئة وتحشيد المجتمع حول شعارات مواجهة الخارج، ممثلاً بشكل خاص في الولايات المتحدة، وفي الغرب بشكل عام، الذي يقف في وجه مساعي إيران لامتلاك القنبلة النووية، ولديه في ذلك وسائل قوة لا يستهان بها، فإضافة إلى الدعم المفتوح الذي يتلقاه من المرشد الأعلى الذي خرج هذه المرة عن حياده الظاهري المفترض في الانتخابات، وألقى بكل ثقله مع نجاد، فان أسلوب حياة نجاد المتقشف ومظهره البسيط يمكن أن يداعب مشاعر قطاعات شعبية معدمة خاصة في الأرياف والمناطق البعيدة عن المدن الرئيسة، خاصة مع نجاحه في الموائمة بين ذلك وبين استنهاض الروح القومية الإيرانية من خلال التأكيد على حق إيران في امتلاك أسباب القوة العسكرية شأنها شأن باكستان والهند اللتين غض الغرب الطرف عن امتلاكهما السلاح النووي. لكن هذا النوع من القيادات الشعبوية كثيراً ما يخفق في برامج التنمية والتطوير السياسي والتقاط حاجات المجتمع للتغيير التي نضجت مؤشراتها وعواملها، وهو ما بات واضحاً في الضائقة الاقتصادية في إيران في ولاية نجاد المنتهية، والتي تفاقمت منها العقوبات الدولية. نجح نجاد في الانتخابات، ليصبح رئيسا لولاية ثانية، لكن أبواب التغيير في إيران، رغم هذا النجاح، قد فتحت على مصاريعها.
 
صحيفة الايام
16 يونيو 2009