المنشور

التعسف في‮ ‬استخدام الإغراق

بموجب توصية مذيلة بتعليل اقتصادي‮ ‬ومالي،‮ ‬رفعتها مفوضية الاتحاد الأوروبي‮ ‬في‮ ‬بروكسل إلى الدول الخمس والعشرين الأعضاء في‮ ‬الاتحاد الأوروبي،‮ ‬فإن من المتوقع على نحو كبير أن‮ ‬يقوم الاتحاد الأوروبي‮ ‬بفرض نظام حصص‮ ‬‭(‬Quota‭)‬‮ ‬على وارداته من الأحذية الجلدية القادمة من الصين وفيتنام،‮ ‬استناداً‮ ‬إلى ما‮ ‬يعتبره ممارسات إغراق‮ ‬‭(‬Dumping practices‭)‬‮ ‬تتبعها الدولتان‮.‬ وتقضي‮ ‬التوصية المذكورة بفرض رسوم عادية على‮ ‬140‮ ‬مليون زوج من الأحذية الجلدية تستورد سنوياً‮ ‬من الصين و‮ ‬95‮ ‬مليون زوج من فيتنام‮. ‬وفي‮ ‬حال استنفدت الدولتان حصتاهما فإن رسوماً‮ ‬إضافية ستفرض عليهما بواقع‮ ‬23٪‮ ‬و‮ ‬5‭,‬29٪‮ ‬على التوالي‮.‬ على صعيد آخر ولكن متصل،‮ ‬قام الاتحاد الأوروبي،‮ ‬وبناءً‮ ‬على شكاوى عدد من المنتجين في‮ ‬داخل بلدان الاتحاد الأوروبي‮ ‬تفيد بأن كلاً‮ ‬من أوكرانيا وروسيا تصدران إلى بلدان الاتحاد الأوروبي‮ ‬أنابيب الصلب من دون وصلة لحام المستخدمة في‮ ‬مد خطوط أنابيب النفط والغاز وفي‮ ‬البنية الأساسية للصناعات الكيماوية والمرافق العامة،‮ ‬بأسعار مخفضة في‮ ‬إطار إغراق السوق الأوروبي‮ ‬بهذا الصنف من السلع‮ ‬‭-‬‮ ‬بناءً‮ ‬على ذلك،‮ ‬فرضت مفوضية الاتحاد الأوروبي‮ ‬ضريبة إضافية نسبتها‮ ‬3٪‮ ‬على هذه السلعة الروسية والأوكرانية‮.‬ ووفقاً‮ ‬للمفوضية فإن شركة‮ ‘ ‬ميتال ستيل‮ ‘ ‬الأنجلو‮- ‬هولندية هي‮ ‬التي‮ ‬وقفت وراء دفع دول الاتحاد الأوروبي‮ ‬لفرض تلك التعرفة الجمركية الإضافية على منافساتها الشركات الروسية والأوكرانية،‮ ‬خصوصاً‮ ‬وأن شركة‮ ‘‬سيفيروستال‮’ ‬الروسية كانت نافست الشركة الأنجلو‮- ‬هولندية في‮ ‬شراء أسهم شركة‮ ‘‬أرسيلور‮’ ‬الأوروبية المتخذة من لوكسمبورج مقراً‮ ‬لها‮. ‬فلا‮ ‬غرو أن‮ ‬يكون فرع شركة‮ ‘‬ميتال ستيل‮’ ‬في‮ ‬تشيكيا أول المبادرين بفرض ضريبة الإغراق التي‮ ‬قررتها المفوضية في‮ ‬بروكسل‮.‬ دعونا في‮ ‬البداية نشرح لماذا هي‮ ‬رسوم إضافية‮. ‬بموجب ما‮ ‬يسمى بـ‮ ‘‬جات‮ ‬‭’‬94‮ ‬فإن مادتها‮ ‘‬الثانية‮ ‬1ب تنص‮’ ‬على وجوب تقديم الدول الأعضاء في‮ ‬منظمة التجارة العالمية جداول التزامات تحدد فيها سقف الضريبة الجمركية الذي‮ ‬ستلتزم به في‮ ‬علاقاتها التجارية الدولية‮. ‬ وتسمى معدلات الضريبة المدرجة في‮ ‬الجداول الوطنية للدول الأعضاء بالمعدلات المربوطة جمركياً‮ ‬‭(‬Bound lates‭)‬‮ ‬أي‮ ‬أنها‮ ‬غير قابلة للزيادة‮ (‬إلا عبر آلية إعادة تفاوض طويلة‮). ‬فإذا ما أرادت دولة عضو زيادة معدل الضريبة الجمركية الذي‮ ‬تفرضه على وارداتها فإن عليها أن تبرر ذلك‮. ‬وأحد تلك المبررات التي‮ ‬تلجأ إليها عادة الدول في‮ ‬هذه الحالة هو الادعاء بوجد حالة إغراق سلعي،‮ ‬بمعنى أن دولة ما‮ (‬عضو في‮ ‬المنظمة‮) ‬تصدر لدولة عضو أخرى سلعة مـن السلع بأسعار تقل عن أسعار نفس السلعة المباعة في‮ ‬الدولة المصدَّرة‮ (‬المادة‮ ‬1‮:‬2‮ ‬من‮ ‘‬جات‮ ‬94‮ ‘ ‬الخاصة بالإجراءات المضادة للإغراق‮).‬ ومع أن هذه العملية مقيدة بمتطلبات إثبات حالة الإغراق فإنها تعتبر ممارسة شائعة بين الدول الأعضاء في‮ ‬منظمة التجارة العالمية‮ ‬يتم اللجوء إليها حين تتراجع الميزة التنافسية لسلعة ما تصدرها دولة عضو إلى دولة عضو أخرى إزاء سلعة مماثلة تنتجها الدولة الثانية،‮ ‬وأن إزالتها تتم عادة بالتفاوض الثنائي‮ ‬حتى وإن لجأ الطرف المتضرر إلى جهاز فض المنازعات لدى المنظمة‮. ‬مع الاستدراك هنا أن كثيراً‮ ‬من دعاوى الإغراق التي‮ ‬تستند إليها الدول الأعضاء في‮ ‬فرض ضرائب إضافية على الدول المضبوطة بممارسة الإغراق،‮ ‬هي‮ ‬دعاوى مسوَّغة وحائزة على كافة شروط إثبات حالة الإغراق‮.‬ ويبقى مع ذلك أن التعلل بضبط حالة إغراق بالنسبة لسلعة ما،‮ ‬يعتبر من الأدوات الشائعة الاستخدام في‮ ‬التجارة الدولية،‮ ‬وهي‮ ‬بهذا المعنى ترقى إلى مستوى الإجراءات المعيقة للتجارة‮.‬ ولذلك ومن خلال الإجراءات‮ ‘‬المضادة للإغراق‮’ ‬سالفة الذكر التي‮ ‬اتخذتها مفوضية الاتحاد الأوروبي‮ ‬ضد كل من فيتنام وأوكرانيا وروسيا،‮ ‬ندرك أسباب تعثر مفاوضات جولة الدوحة‮ (‬الجولة التاسعة‮) ‬من مفاوضات تحرير التجارة العالمية في‮ ‬إطار منظمة التجارة العالمية التي‮ ‬أُريد لها أن تكون جولة لدفع التنمية في‮ ‬الدول النامية فإذا بها تتحول إلى مساومات عجيبة بين الدول الرأسمالية المتقدمة والدول النامية بشأن حجم التخفيض المطلوب من قبل الأولى تجاه الثانية بالنسبة للسلع الصناعية‮ (‬تطالب الأولى بتخفيض نسبته‮ ‬66٪‮ ‬فيما تعرض الأولى نسبة تخفيض قدرها‮ ‬54٪‮) ‬مقابل موافقة الأولى على إلغاء الدعم الزراعي.
 
صحيفة الوطن
14 يونيو 2009