المنشور

أسلمة القوانين

بعد مداولات فيما بينها اتفقت الكتل النيابية على اسلمة القوانين مما يعني ان هذه الكتل التي كان المواطن ينتظر منها الكثير من الانجازات وكذلك المجتمع ستتفرغ في الدور التشريعي القادم لهذا المشروع الذي يقتضي – حسب وجهة نظرهم – تعديل المادة الثانية من الدستور وباختصار توصل أصحاب السعادة الى اعتبار الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع بدلاً من المادة الدستورية الحالية التي تنص على «مصدر رئيس للتشريع». ومن دون مقدمات لماذا ينشغل نوابنا الآن بأسلمة القوانين طالما دستور البلاد لا يتعارض مع ذلك او بالاحرى طالما دستور البلاد يشير الى ان الاسلام هو دين الدولة وانه المصدر الرئيس للتشريع؟ سؤال ملح الاجابة عليه تنقلنا الى عدة حقائق ودلالات ومعانٍ ينبغى مناقشتها بروح نقدية و «رياضية» اساسها روح الاختلاف ويا ترى هل نواب الشعب يمتلكون هذه الروح بمنأى عن اتهام الرأي الآخر وتخوينه وتكفيره؟ هذا ما نأمله. من هنا دعونا نقولها بصراحة ان تيار الإسلام السياسي في هذه البلاد شأنها شأن اي حركة اصولية اسلامية سياسية لها أجندتها ولها مشروعها السياسي والعقائدي الذي هو وفي نهاية المطاق حتماً يتعارض مع التعددية والديمقراطية وان كان هذا التعارض يتفاوت فيما بينها الا ان المسألة الجوهرية كما يقول – المفكر محمود امين العالم – رغم تنوع التيارات الاسلامية الاصولية هناك ما يوحدها فهي جميعاً تدعو الى السلطة الدينية ولا تكتفي بالقول بتطبيق الشريعة الاسلامية واستلهامها، بل تدعو دعوة صريحة جهيرة الى اسلمة السلطة والقوانين والمجتمع.. وفي ضوء هذا الاستنتاج يبدو لنا ان انشغال نواب الاسلام السياسي باسلمة القوانين له مصالح عقائدية ورؤى ماضوية يود التيار فرض قبضتها على مجمل التشريعات والقوانين المدنية!! او بالعربي الفصيح لا مكان للسلطة المدنية، على اية حال وفي اطار الدعوة هذه من الطبيعي ان تجرنا الى اشكاليات و اول هذه الاشكاليات كما يقول امين عام جمعية المنتدى «ابراهيم علي» وهو على حق ان مشروع اسلمة القوانين يتعارض أساساً مع ميثاق العمل الوطني الذي ينص على انشاء مملكة دستورية يحكمها نظام ديمقراطي. ولا شك ان هذا الرأي يمثل الموقف المسؤول من الحريات والديمقراطية وكذلك من التشريعات التي يجب ان تنسجم مع التعددية ويجدد الحياة والرؤى والافكار والمصالح. يا سادة ان الشيء الذي نحب ان نؤكده هنا هو ان شعب البحرين المتسامح والمتعايش مع الآخر والمتعدد الذي اعتنق الاسلام منذ قرون لم تكن قضيته اسلمة القوانين طالما دستور البلاد يؤكد على هوية البحرين الاسلامية وانما القضية الملحة هي كيف توسع قاعدة الانجازات الرقابية والتشريعية بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن؟؟ نعم كيف تتفق الكتل النيابية على معالجة الاوضاع المعيشية الصعبة ومكافحة الفساد وحماية المال العام من التلاعب والهدر؟ كيف نحافظ على انجازات المشروع الاصلاحي وندافع عن الحريات؟.. اننا أيها السادة في حاجة ان نرسي قواعد الديمقراطية بالحرص عليها وليس بالعبث بها لمصالح سياسية وعقائدية!! وأخيراً اذا كان مشروع اسلمة القوانين من أهدافه التسويق للانتخابات التشريعية المقبلة عام (2010) فإن الناخب وبعد الدورات البرلمانية الثلاث الماضية أدرك تماماً مستوى الاداء البرلماني وأدرك ايضاً كم هي مؤلمة الاصطفافات الطائفية التي أججت الفرقة والانقسام بين ابناء البحرين وبالتالي كيف نفعّل هذه المؤسسات البرلمانية المنتخبة لصالح الوطن والمواطن هذا هو الاهم.
 
صحيفة الايام
13 يونيو 2009