المنشور

أوباما في خطاب ثقافي

بدءاً لابد من القول إن الرئيس الأمريكي باراك اوباما استخدم لغة غير مألوفة لدينا من قبل الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت البيض، على الأقل خلال العقود القليلة الماضية، على خلفية الموقف الأمريكي المعروف من الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك العلاقات الملتبسة بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي، خاصة بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. سيبرز الأمر أكثر لو قارنا لغة أوباما مع لغة سلفه جورج دبليو بوش التي تنضح بالغطرسة والعدوانية، لا بل بالصبيانية أيضاً، في طريقة فرضه الإملاءات على العالم العربي . اختار أوباما القاهرة بالذات مكاناً لإلقاء خطابه، ليس فقط تقديراً للأهمية السياسية والتاريخية والاستراتيجية لمصر، وإنما لإرسال رسالة مؤداها أن إدارته مستمرة في دعم ما بات يعرف بنهج الاعتدال في العالم العربي . ومن جامعة القاهرة بالذات سعى أوباما، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، لإبراز اطلاعه على الثقافة والتاريخ العربيين، واحترام ما يمثله الإسلام من مكانة لا في تشكيل الحضارة العربية فقط، وإنما أيضاً ما يمثله راهناً في الوجدان العربي، ومن هنا حرصه على إبداء التفهم لبعض الرموز المتصلة بالأمر كارتداء النساء المسلمات للحجاب . سيكون تعسفاً منا لو قلنا إن خطاب اوباما خلا من المواقف السياسية، وتعسفاً أيضاً سيكون لو نفينا ما سعى الرئيس الأمريكي لإظهاره من تغير في لهجة الخطاب، وحتى محتواه، ويمكن تلمس ذلك من ردود الفعل المتشنجة في إسرائيل وفي بعض الأوساط اليمينية والمحافظة المعروفة بميلها للصهيونية، والتي رأى بعضها في لهجة أوباما هزاً للصورة القوية للولايات المتحدة على الصعيد الدولي. لكن كل هذا لا ينفي عن الخطاب طابعه، فهو، في الجوهر، لم يكن خطاباً سياسياً، وإنما هو خطاب ثقافي، أراد من خلاله أوباما أن يرّمم ما هدّه سلفه من جسور مع العالمين العربي والإسلامي، وأن يزيل، ما أمكن، ما طبع صورة السياسة الأمريكية في المنطقة، بصفتها سياسة للحرب والاحتلال وإملاءات القوة، والاستخفاف بالتضاريس الدينية والحضارية والثقافية في المنطقة. وحسب التقارير الصحافية فان أوباما استعان في وضع خطابه بعدد كبير من المستشارين المطلعين على خصوصيات العالم العربي والإسلامي، وعلى المزاج السيكولوجي للمسلمين، ليحسن مخاطبتهم، وهذا ما أفلح فيه بامتياز. أوباما كان محكوماً بألاّ يخرج عن حدود الخطاب الثقافي، وأن ينأى ما استطاع عن تحديد المواقف السياسية القاطعة، ليس لأنه لا يريد بالضرورة، وإنما لأنه يعي حدود الهامش الذي يتحرك فيه بوصفه رئيساً لدولة كبرى، تصنع سياستها عدة مواقع قرار ولوبيات مالية وسياسية ضخمة. لم يكن بوسعه وهو يتحدث أن ينسى نفوذ الكونغرس ومصالح البنتاغون والمجمع العسكري، وتأثير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي .آي . إيه”، ولا أن ينسى جبروت اللوبي الصهيوني أو المؤيد لإسرائيل في المجتمع وفي مواقع القرار.
 
صحيفة الايام
10 يونيو 2009