المنشور

الخليج العربي.. أم الخليج “الفارسي”؟

أن تصر ايران على تسمية الخليج العربي بـ «الخليج الفارسي« فهذا شأنها، ولكن ان تصر على منع دول الخليج العربية من تسميته بـ «الخليج العربي« واثارة الزوابع والاحتجاجات الدبلوماسية والسياسية والاعلامية بين الحين والآخر أينما وردت هذه التسمية فهذا ما ليس من حقها، اذ لا يوجد في القانون الدولي ولا في الأعراف الدولية ما يلزم الدول بتسمية المناطق الجغرافية من بحار وأنهار وجزر وجبال وسهول… الخ بتسميات محددة حتى لو شاعت أو تداولت تسميات معينة دون سواها في المجتمع الدولي، وايران نفسها التي تطل مع دول اخرى على «بحر قزوين« لا يروق لها الآن الا تسميته بمسماه القديم «بحر الخزر« والخزر اسم شعب تتري عاش قرب البحر واعتنق الكثير منهم الديانة اليهودية.
بوجه من الوجوه تذكرنا هذه الحساسية الايرانية المهووسة من تسمية الخليج بـ «الخليج العربي« والاصرار على نعته بـ «الفارسي« والنفور والتطير والاحتجاج على نعته بـ «العربي« بالمحاولات الاسرائيلية الصهيونية الاستفزازية الدؤوب الاخيرة على جبر الفلسطينيين على الاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية، فالوقاحة الاسرائيلية لم تعد تكتفي باعتراف السلطة الفلسطينية بدولة اسرائيل بل بأنها دولة يهودية طابعها يهودي ووطن لليهود.
بمعنى آخر هي لم تكتف باغتصاب الارض وتشريد شعبها بل تريد ايضا اغتصاب ضمير وفكر وايمان هذا الشعب، اي ان يلغي عقله ويسلخ ضميره، وهذه بذاءة جنونية ما بعدها بذاءة، وهو ما يذكرنا بمحاولة اسرائيل العبثية الزام القاهرة غداة توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر الساداتية عام 1979م بطبع نسخة من القرآن الكريم تستبعد منها الآيات التي تسيء لليهود، أو عدم اذاعة هذه الآيات.
كان رد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على الطلب الاسرائيلي ما مفاده: فليسموا دولتهم كما يشاءون دولة يهودية، عبرية، جمهورية، ديمقراطية، اشتراكية، صهيونية، فالمهم هي دولة، ونحن نعرفها ونعترف بها كدولة «اسرائيل«، أما كونها يهودية الكيان والطابع او غير يهودية الطابع فهذا ليس شأننا، ولسنا ملزمين بالاعتراف بتحديد هوية هذه الدولة، ولا القوانين والمجتمع الدولي يجبراننا على ذلك، وبالتالي فإن رد الرئيس أبومازن على المطالبة الاسرائيلية ينطبق تماما على الزوابع التي ما فتئت طهران تثيرها حول تسمية الخليج بـ «الخليج العربي«، فلتسم ايران الخليج او تنعته بالنعت الذي يروق لها، لكن ليس من حقها البتة فرض هذه التسمية على سبع دول عربية مطلة على الخليج (عمان، والامارات، والسعودية، وقطر، والبحرين، والكويت، والعراق) أو على 22 دولة عربية. ومثلما نعترف بأننا لن نجد ولو فارسيا واحدا في العالم مما يقارب 75 مليون ايراني لا يستهويه نعت الخليج الا بـ «الفارسي«، سواء من قوى المعارضة ام من الحكومة، فيجب على ايران ان تعترف بأنها لن تجد عربيا واحدا مما يقرب من اكثر من 350 مليون عربي لا يعرفون مسمى هذا الخليج الا بـ «الخليج العربي«.
وهي، طهران، لم تعد تحتج على نعت الخليج بـ «العربي« وتصر على أن ينعته كل العالم بـ «الفارسي« فحسب، بل انها باتت لا تتورع عن الاحتجاج علي اي وصف للجزر العربية الاماراتية الثلاث التي تحتلها منذ عام 1971م بأنها «جزر اماراتية محتلة« باعتبارها جزرا ايرانية حررها الشاه من الاحتلال العربي وورثها النظام الثوري الاسلامي الجديد الحالي.
وربما القليلون الذين يعلمون بأن اول من نعت الخليج بـ «الفارسي« ليس الفرس بل هم الاغريق ثم الرومان وذلك لأنهم لم يكونوا يعرفون غير سواحله الشمالية الشرقية الايرانية حاليا التي تمر بها الطرق البرية الى الهند الهدف المبتغى لكل الغزاة والفاتحين، في حين كانت السواحل الجنوبية الغربية المتصلة بالجزيرة العربية مجهولة لأولئك البحارة الاجانب.
وقبل ان يصطلح على نعت الخليج بـ «العربي«، اصطلح على تسميته، في مراحل تاريخية مختلفة، بتسميات اخرى مثل «خليج القطيف«، «خليج الجرهاء«، «خليج العقير«. وفي العصر العباسي الاول كان يُعرف بـ «بحر سيراف« او «خليج البصرة«.
ومع ان الخلاف تفجر بين العرب والايرانيين حول تسميته خلال اوج المد القومي الناصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بموازاة تنامي النعرة القومية الفارسية التي غذاها ونفخ فيها شاه ايران الراحل الذي لم يكن يخفي حينها اطماعه الامبراطورية في المنطقة بما في ذلك ضم البحرين والجزر الاماراتية الثلاث، الا ان مسمى «الخليج العربي« لم يظهر في تلك الفترة، كما يعتقد الكثيرون، بل كان متداولا في العديد من الكتب والمراجع العربية قبل الحقبة الناصرية. ومن ذلك «القاموس السياسي« للدبلوماسي المصري الراحل احمد عطية الله، والمنجد الذي ظهرت اول طبعة له في اوائل القرن الفائت، ودائرة المعارف العربية التي صدرت اول طبعة لها عام 1952م.
آخر زوبعة اثارتها ايران حول مسمى الخليج جاءت على اثر امعانها الاستفزازي في نقش وكتابة «الخليج الفارسي« على الميداليات والشهادات التي ستوزع في دورة التضامن الاسلامي التي تستضيفها ايران في اكتوبر المقبل وتشارك فيها معظم الدول العربية، حيث لا يمكن للدول العربية وخاصة الخليجية القبول بهذا الاستفزاز الصريح المتعمد، في حين ممكن ايجاد مخرج حل وسط كذكر «الخليج« غير منعوت بأي صفة، دونما داع لهذا الاصرار الايراني الدؤوب على فرض تسميته بـ «الفارسي« كأنه جزء لا يتجزأ من الاراضي الايرانية.
وحتى لو كان الخليج يعرف عالميا في بعض الحقب التاريخية السابقة بـ «الخليج الفارسي« او مازال يعرف بهذه التسمية لدى جهات ومراجع غربية وعالمية اخرى، فان ذلك لا يسوغ لايران ان تفرض هذه التسمية على جيرانها في عصرنا الراهن، ولنتذكر ان البحرين كانت تطلق في حقب تاريخية على الضفة الشرقية للخليج الممتدة من البصرة الى عمان تقريبا، فهل هذا يسوغ للبحرين فرض اطلاق هذه التسمية على هذه المنطقة الشاسعة التي تتشارك فيها سواحل ستة اقطار عربية؟
واخيرا فان السؤال الذي يفرض نفسه هنا بناء على كل ما تقدم: لماذا هذه الزوابع لم تثر بهذا الحجم وبهذه الحدة من قبل طهران ابان ولاية مرشد الثورة الراحل الامام الخميني (1979 – 1989م) كالتي نجدها الآن في ولاية المرشد السيد علي خامنئي؟ أليس واضحا بجلاء ان عودة وتنامي النزعات القومية وتغذيتها الآن تأتي في سياق محاولات اشغال الشعب الايراني عن قضاياه وازماته المعيشية والاسكانية والسياسية الداخلية المتفاقمة والموشكة على الانفجار؟

صحيفة اخبار الخليج
7 يونيو 2009