المنشور

ما هو أبعد من الوحدة النقدية!

إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة الأخير بشأن انسحابها رسميا من مشروع الوحدة النقدية الخليجي أثار الكثير من ردود الأفعال على المستويين الرسمي والشعبي في الشارع الخليجي، وذلك نظرا لحجم الآمال المعلقة على بقاء جذوة هذا المشروع الحيوي، جراء الشكوك التي دارت حوله خاصة بعد انسحاب سلطنة عمان الشقيقة رسميا منه. ما يعني أن خطوة الإمارات هذه في حال تحققت عمليا فإنها ستكون ضربة موجعة نتمنى أن لا تكون قاصمة لمشروع الوحدة النقدية الذي سيفتقد حينها لوجود ثاني اكبر اقتصاد خليجي وعربي. وقد جاء في تفسير دوافع قرار الانسحاب ما لا يحتاج إلى مزيد من الإيضاح عندما أعلن رسميا «أن الإمارات كانت أول من تقدم في العام 2004 بطلب رسمي لاستضافة المصرف المركزي الخليجي، حيث لا يوجد في الإمارات أي مقر أو مركز لأي من المؤسسات والهيئات التابعة لمجلس التعاون الخليجي»، ويكفي القول إن هناك أكثر من 20 هيئة ومؤسسة خليجية مشتركة موزعة على دول الخليج باستثناء دولة الإمارات! وحيث أن الطرح الواضح الذي عمدت له حكومة الإمارات ربما يعتبر نادرا من زاوية فهم طبيعة التعاطي الرسمي العام بين مختلف دول المجلس، حيث عادة ما تترك التباينات – عرضة لتأويلات أطراف من خارج الإطارات الرسمية الخليجية وفي معظم القضايا التي تكتنفها خلافات إدارية أو حتى سياسية، إلا أن طرح الأمور هذه المرة بهذا الوضوح ربما يعني تحولا نوعيا لإضفاء مزيد من الشفافية على طبيعة العلاقات والذي يبقى محل تساؤل من قبل المراقبين هو جدوى الاخفاء في عصر يتعذر فيه ذلك، حيث تبقى تلك العلاقات عرضة لإعاقات وتلبك دائمين ربما فرضتها طبيعة العلاقات التي يرى بعض المراقبين أنها إنما تمثل قمة جبل الجليد الذي عادة ما تلزم ظروف التعاطي الرسمي والكياسة السياسية الاستمرار في جعله مغمورا لأمد غير منظور، ما أصاب ويصيب معه طبيعة العلاقات بحالات من الضمور والسكون التي تفصح عن نفسها على شكل حالات عجز واضح عن استكمال البرامج والخطط التي يتم الإعلان عنها. من هنا لا تصح أبدا مقاربة ما يجري من تعاون وتكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي مع تلك التي تجرى بين دول مجموعات إقليمية أخرى كمجموعة دول «آسيان» أو مجموعة دول الاتحاد الأوروبي أو حتى بين دول أميركا اللاتينية التي أنشأت منذ عام تقريبا ما أطلق عليه ببنك الجنوب للتنمية، حيث تتضافر وحدة السياسات مع وحدة الأهداف، وتغليب المصالح المشتركة بين دول تلك المجموعات وحتى سبل حل المنازعات فيما بينها ضمن أطر وتشريعات واضحة ومتفق عليها سلفا، بحيث لا تغمر تلك التباينات جوهر ومغزى المصالح المشتركة بينها، حتى بتنا نلمس قوة حضور تلك المجموعات على المستويين الاقتصادي والسياسي العالمي، وإسهاماتها المستمرة في رسم السياسات الدولية انطلاقا من مواقع تأثير مكانتها لهم تلك الإرادة المشتركة. وهم الذين كثيرا ما تتباين لديهم عوامل اللغة وتداخل الجغرافيا وإسقاطات التاريخ والديموغرافيا والأعراق وحتى المعتقد أحيانا، وكذلك الحجم الاقتصادي، دون أن يسمح لكل ذلك أن يكون عائقا لمسيرتهم المدعومة من الشعوب والحكومات معا، حيث تتعزز عبرها المصالح بعيدا عن نزوات السياسة وضيق أفق صانعيها. وعلى الرغم من ذلك، تبقى شعوب دول مجلس التعاون تواقة برغم تواضع الآمال لتحقيق الحد الأدنى من التعاون فيما بينها، خاصة عندما تعيش المنطقة بأسرها تحت رحمة تلك التكتلات الكبرى اقتصاديا وأمنيا وسياسيا، وفي غمرة ما يعصف بالعالم اليوم من أزمات ومصاعب اقتصادية ومالية وسياسية وتحولات كبرى، يتضاءل تجاهها أي تأثير حقيقي لنا من دون بناء صيغة تعاون حقيقية تكون قادرة على الصمود والتطور ومجابهة التحديات، لكي يبقى التعاون خيارنا الخليجي المشترك، وليبق ضمانة الاستقرار السياسي والاجتماعي لدول المنطقة.
 
صحيفة الايام
7 يونيو 2009