المنشور

الحكومة والملفات الأربعــة !


هناك فارق كبير بين النطق السامي، الذي اعتاد أصحاب السمو الأمراء التفضل بتوجيهه إلى أعضاء مجلس الأمة في بداية كل دور انعقاد جديد، وبين الخطاب الأميري في افتتاح دور الانعقاد السنوي للمجلس، الذي تنصّ عليه المادة 104 من الدستور… فالنطق السامي توجيه أميري أبوي لا تتمّ مناقشته، بينما الخطاب الأميري خطاب سياسي يعبّر عن الحكومة وهو خاضع للمناقشة والردّ عليه، وهناك جلسات مخصصة لمناقشته، بل أنّ الدستور نفسه يوجب في المادة 105 تشكيل لجنة من بين أعضاء المجلس لإعداد مشروع الجواب على الخطاب الأميري.

ولعلّ أبرز ما تضمّنه الخطاب الأميري، الذي ألقاه سمو رئيس مجلس الوزراء يوم أمس تحديده أربعة ملفات، عدّتها الحكومة ذات أولوية ووصفتها بأنّها موضع إجماع وطني، وهي: ملف حماية الوحدة الوطنية، وملف تطبيق القوانين، وملف العلاقة بين السلطتين، وملف الإعلام.
ومن الطبيعي أن يثير طرح هذه الملفات الأربعة مجموعة من الملاحظات؛ ويستثير عدداً من التساؤلات؛ ويتطلب التوقف أمام عدد من الأمور الملتبسة، التي لابد من توضيحها، والمسؤوليات المتشابكة التي يجب تحديدها.

فملف حماية الوحدة الوطنية لا يمكن تناوله بصورة موضوعية صحيحة من دون تحميل الحكومات المتعاقبة مسؤولياتها عن تقصيراتها الفاضحة؛ وربما عن أدوارها في افتعال بعض ما حدث من ظواهر مؤسفة؛ ومسؤولياتها عن التهاون تجاه عدد من الممارسات والدعوات الخطرة التي استهدفت استثارة النعرات الطائفية والقبلية والفئوية والمناطقية… بدءاً من رعاية الانتخابات الفرعية في الثمانينيات والتسعينيات، والمحاصصات الطائفية والقبلية والعائلية والفئوية والمناطقية البائسة عند تشكيل العديد من الحكومات المتعاقبة، مروراً بالتعامل الحكومي مع قضية التأبين، وأخيراً الممارسات الأمنية الانتقائية ذات الطابع الاستثنائي غير المسبوق ضد مجموعة معينة من المرشحين؛ وفي المقابل التهاون الفاضح في التعامل مع أحد أسوأ مثيري الدعوات العنصرية المناطقية الخطرة خلال الانتخابات الأخيرة…. وبالتالي فإنّه مالم تقم الحكومة نفسها بانتقاد ذاتي صريح لمثل هذه الممارسات الحكومية الخاطئة فإنّه من الصعب أن نتوقع منها مساهمة جادة  في ملف حماية الوحدة الوطنية!
أما ملف تطبيق القوانين، فإنّ الحكومة كسلطة تنفيذية هي التي تتحمّل المسؤولية الأولى عن تطبيق القوانين وتنفيذها، وهي بالتالي التي تتحمّل مسؤولية عدم تطبيقها والتجاوز عليها والتراخي في تنفيذها… وهذا ما يجب الانطلاق منه كمدخل أساسي لمعالجة مثل هذا الملف حتى لا تختلط الأمور!

ولئن كان الدستور هو الذي يحكم الملف الثالث المتصل بالعلاقة بين السلطتين في إطار مبدأ الفصل بين السلطات وتعاونها، فإنّه ليس هناك مَنْ ينكر وجود ممارسات نيابية سلبية أو خاطئة، ولكن في المقابل لا يمكن تجاهل أنّ الحكومات الخمس الأخيرة هي التي تتحمّل الجزء الأكبر من التوتر في هذه العلاقة بين السلطتين… ويكفينا استذكار الانسحاب الحكومي غير المبرر من جلسة 25 نوفمبر الماضي؛ والانقطاع الحكومي المستمر نحو شهرين عن المشاركة في جلسات مجلس الأمة، وتكرار رفض رئيس مجلس الوزراء صعود منصة الاستجواب!

ويبقى الملف الرابع المتصل بالإعلام، الذي كشفت الحكومة ليس فقط عن مدى ضيقها وتبرمها من الهامش المتوفر من حرية الرأي وحرية التعبير، وإنما أوضحت بجلاء أنّها تتجه عملياً إلى تكبيل الإعلام الكويتي والحدّ من حريته، التي كفلها الدستور، وذلك عبر فرض المزيد من القيود المشددة عليه، أو تتجه إلى استحداث قيود جديدة خصوصاً ضد مواقع الانترنت المعارضة للحكومة!

إنّ الحكومة وهي تطرح هذه الملفات الأربعة ليست طرفاً بريئاً محايداً وغير مسؤول، بل هي طرف متورط  في هذه الملفات إلى أبعد الحدود ويتحمّل مسؤولية أساسية عنها، وهذا ما يجب الانتباه إليه والبدء به إذا كنا نهدف حقاً إلى تعامل مسؤول مع هذه الملفات ونسعى إلى معالجات سليمة لاختلالاتها!


 
جريدة عالم اليوم 1 يونيو 2009