المنشور

ديمقراطيـة تتجــدد..


انتهت انتخابات مجلس الأمة الكويتي ، ولم تنته أصداء نتائجها، ولم تنته التساؤلات، ولا التحليلات ، ولا الإشارات والرسائل التي أثارتها هذه النتائج التي وصفها الكاتب الكويتي أحمد البغدادي في ندوته بالبحرين مساء الاثنين الماضي بأنها ” مثلت تحولاً في الثقافة السياسية على مستوى الخليج برمته ” خاصة على صعيد دخول المرأة الكويتية لأول مرة إلى قبة البرلمان، وهو نصر نراه مضاعفاً لأنه جاء من خلال أربع نساء دفعة واحدة، كما أنه لم يأت بالمرأة في ذيل القائمة أو يجعلها تحقق فوزاً بصعوبة، بل فوزاً مستحقاً تمكنت من خلاله المرأة الكويتية من تصدر بعض الدوائر متقدمة على من هاجموها وحاولوا بشتى الطرق والوسائل وضع العراقيل أمامها .
إن ذلك الفوز للمرأة الكويتية اعتبر مؤشراً إلى التحول في منظومة القيم والثقافة السياسية عنوانه « التغيير»، وهو الذي أدى إلى تغيير في الوجوه داخل مجلس الأمة الكويتي بلغت نسبته 42 في المئة ، مما جعل الأطياف والكتل السياسية تعيد حساباتها وتتجه إلى وضع خطط تأخذ بالاعتبار الواقع الجديد الذي فرضه هذا التغيير الذي بالإضافة إلى أنه أوجد حضوراً قوياً للمرأة، فقد عزز دور المستقلين ، وأبرز مرشحين كانوا خارج الترجيحات أحدثوا اختراقاً وقلبوا معادلات ، كما بعث الشارع الكويتي برسالة واضحة حينما أعطى بعض التيارات الإسلامية ما وصف باستراحة اجبارية فأقصى البعض وأضعف الآخر .
 الحماس الكويتي في التغيير ما أعجب أن يكون هناك ما يماثله أو يفوق عنه في البحرين، وليس غريباً أن تتشابه هذه الحماسة حتى في معانيها ودلالاتها ودواعيها ومبرراتها، كما تتشابه في أسبابها وجوهرها ومظهرها ، لذلك ليس من الحكمة والحصافة أن نتجاهل هذا الذي حدث في الكويت، فالإشارات والرسائل التي أطلقها الناخب الكويتي تستحق وقفة خاصة من قبل أعضاء مجلس النواب البحريني والقوى السياسية في بلادنا.. وقفة لربما يتأملون فيها الدروس والعبر ويعملون على ما ينقّي تجربتنا البرلمانية، لاسيما وأن الوضع الراهن لبرلماننا عليه مآخذ شتى في الأداء، والممارسات، والصلاحيات وإثارة المشاحنات بأنواعها، وإهدار قيمة المراقبة والمساءلة ، وما دام لم يتبق من عمر مجلسنا النيابي الحالي إلا القليل ، فعلينا أن نتدارس في كيفية الاستفادة من دروس وعبر التجربة الكويتية بما فيها من ايجابيات وسلبيات، وقبل ذلك علينا أن نقيّم تقييماً موضوعياً أداء أعضاء المجلس الحالي أفرادا وكتلا ، وعلى كل القوى السياسية أن تبادر إلى التفكير في العمل المؤدي إلى برلمان مقبل جدير بنا.. برلمان يحترم المواطن، ويحترمه المواطن، برلمان يكون النائب فيه ممثلاً للشعب وليس الطائفة أو مذهب أو منطقة أو قبيلة … برلمان يأتي بأعضائه عبر انتخابات نزيهة تعبر عن الحيوية السياسية التي افتقدناها لسنوات عدة وأدت إلى النتيجة التي نعرفها جميعاً .
إن حزمة الرسائل السياسية التي أطلقها الناخب الكويتي لا نشك بأنها ستكون ذات الرسائل التي سيحملها الناخب البحريني في انتخابات مجلسه النيابي المقبل، فهذا الناخب كما كان نظيره الكويتي ينشد التغيير .. تغييراً ليس بالوجوه فحسب، بل تغيير حقيقياً ملموساً يترجم وينفذ على أرض الواقع .. تغييراً لا يجعل نواباً يدمنون الازدواجية في الأقوال والمواقف ، تغييراً نريده لا يجعل أي نائب حينما يريد أن يطفئ ناراً يطفئها بنار فتنة أخرى، أو لا يجعل نواباً يفهمون الديمقراطية بطريقة لا علاقة لها بالأصول والأسس التي يجب أن تقوم عليها، تغييراً لا يجعل من يمثلوننا أحوج ما يكونون إلى معرفة ألف باء العمل السياسي . ما ننشده ونتطلع إليه من تغيير في انتخابات مجلسنا النيابي المقبل لابد أن يؤدي إلى إزاحة أولئك النواب الذين يشكلون ظاهرة صوتية نسمع منهم كلاماً كثيراً هو في غالبه باعث على الأسى والقلق ، ولم نر منهم إلا القليل من الأعمال، بل ومعهم أولئك النواب الذين وجدوا بأن مصلحتهم تقتضي أن ينشدون في جوقة الحالة السياسية بدون وعي أو إدراك، ولا يطيقون إلا المصفقين معهم ولهم وورائهم ، نواباً اتقنوا من المراوغة والتباهي بالانتصارات وأية انتصارات . لقد وجدنا نواباً رأوا في أنفسهم مرجعية مطلقة في كل شتى ، لا مرجع فوقها ولا قبلها ولا بعدها، وظنوا بأنه لولاهم لغرقت البلاد في بحر من الفوضى والمشاحنات الطائفية والمذهبية ونسوا أو تناسوا بأنهم منابع تلك المشاحنات. كما وجدنا نواباً المزعج والمؤسف أنهم باتوا غارقين بهواجس الكسب والمزايدة والشعارات، وأصبحوا يعتقدون بأنهم نجحوا على حملنا بأننا نراهم يؤدون دوراً إيجابياً في خدمة الوطن، وأنهم اذا لم يتمكنوا من تحقيق ما رموا إليه فلأن هناك من أعاقهم، ولا لوم عليهم لأنهم سعوا ولم يوفقوا ، مثل هذه النوعية من النواب لابد أن تريح وتستريح.. والانتخابات المقبلة لابد أن تعكس وعياً كبيراً بضرورات المرحلة والحساسية لمتطلباتها بحيث نمضي قدماًً إلى الأمام بتجربتنا البرلمانية تماماً كما فعل الناخب الكويتي الذي لم يرتض بواقع حال مجلسه النيابي ومضى نحو التغيير والتعديل قدر المستطاع ليطور من تجربته البرلمانية، فهل يفعل الناخب البحريني ذلك ويوقف المسار الانحداري الذي سارت فيه تجربتنا البرلمانية في السنوات الماضية ويدفع نحو الصعود المطلوب لينهض الجميع بمسؤولياتهم تجاه الوطن والمواطن .