المنشور

الانتخابات على الأبواب والمزاد مفتوح

يضحكنا الساسة اللبنانيون المتفقون كلهم على سرقة الشعب، في اختلافاتهم البسيطة الضحلة، فهذا يقول (أنا ضد المحور الفلاني) لأنه محور دكتاتوري طائفي ميثولوجي سحري ديني، لكنه لا يكشف محوره، بل يخفيه، لأنه كذلك محور دكتاتوري طائفي سحري.
فماذا يختلف أن تتفقَ مع محورٍ متخلف في هذا البلد عن محورٍ متخلف في ذاك البلد؟
ماذا يختلف الأمر بين محور يذبحُ الغنمَ ويُعلي شأن الصحراء وبراميل النفط للخيام اللاهية، ومحور يذبحُ البقرَ ويخصص براميل النفط للضباط الكبار؟
الحكوماتُ البيروقراطية الفاسدة هي مظلتنا جميعاً، وهي كلها ذات الوشائج القوية بالغرب وشركاته، هذا المحور يجري علاقاته فوق الطاولة، موضحاً بعض الصفقات بأشكالٍ يعجزُ الجنُ الأزرق عن كشف محتوياتها، وذاك يجري صفقاته تحت الطاولة ويعجز أهلُ الأرض السفلى الكرام عن معرفة أي إبرة فيها.
هذا المحور يقول انه اشتغل وكدح لأغلبية الناس، المظلومين، الفقراء، لكنه في واقع الأمر اشتغل لنهب أغلبية الناس المظلومين الفقراء، وذاك رفض ذلك بشدة وقال إنه يعمل من أجل جميع اللبنانين الشرفاء، لكنه عمل لسرقة اللبنانيين الشرفاء جميعاً. وبطبيعة الحال هذا فرق كبير جدا.
بدلاً من أن يكون لبنان بسبب ثقافته العالية وطبعه للكتب التي لا يقرؤها، نموذجاً لاختزال “الحرامية” السياسيين، كما يجري في بقية الدول العربية، قدم تجربة حضارية فريدة في الاكثار منهم وتنويعهم تنويعاً شديداً تعجز أي آلة حسابية سياسية عن معرفة أديانهم ومذاهبهم وحواريهم وكيفية هروب الليرات إليهم.
تجد فيه المذاهب والملل والنحل كافة من جميع أقطار العالم، ولم تبق سوى البوذية والهندوسية من التمثل داخله البهي، فتغلب على سوء تجربة الهند ومحدودية رؤاها السياسية وهي الحاوية على آلاف الأديان ومقتصرة فقط على بضعة أحزاب قليلة، لكن عدمَ التمثــُل الكامل لأديان الأرض وعقائدها يجرى تلافيه في لبنان فالعائدون من (تنمية) نيجيريا وغيرها يعتزمون الاستفادة من عبادة الأرواح لجعلها مسيّسة داخل لبنان ويتفقون على ضرورة استثمار عجائبها الكبيرة في السيركِ السياسي ودكاكين السحر والشعوذة.
المقاولون الدينيون السياسيون في لبنان جاهزون للاستفادة من أي دين وملة، حسب أسعار البورصة، سواءً بالدولار البدوي أو بالريال الإيراني، لكن الجنيه المصري غير مقبول حاليا لضعفِ قيمتهِ الشرائية، وربما يُستفاد لاحقاً من الشيكل الإسرائيلي، حسب تحولات البورصة القادمة، وهناك أقبالٌ كبيرٌ على اليورو فإمكانياته واعدة، وكذا على شقيقه الأكبر الدولار، وعين المقاول صارت حولاء من كثرة النظر إلى الجانبين.
المقاول اللبناني إقطاعي وتاجر ونصف رأسمالي، متدين وصاحب كباريه، مقاوم ومقاول حسب كمية الدفع الوفيرة من أهل الكرم المسموم في المنطقة، ولا يهم هنا كم البيوت والبشر المحالين على القبور والآثار، فالقضية عظيمة جدا وتستحق كل التضحيات الجسام، (الضمائر المرهفة هنا ميتة بسببِ مستنقعات الدم الهائلة التي تغوصُ بها الأحذية من دون أن تشعرَ بسوائلها وبصراخ بشرها في الخرائب فلا تاريخ سوى تاريخ زعماء الطوائف وكل ما عدا ذلك ملغى، هم الأحياءُ الوحيدون في مقبرة الصمت الشعبي وجمهورية الدم هذه)، والمقاول هو كذلك مع الحداثة وأمنا فرنسا الحنون والديمقراطية لكن لابد أن تقتصر كل هذه القيم العظيمة على البيوتات العريقة والأسر الكبرى والمخاتير وشيوخ القبائل وفرسان الكنائس الصليبيين الشمعية المتجمدة عن تضحيات المسيح والشرهة لعطايا شيلوك وسيرته العطرة، وألا يلوثها أهل التراب واللجوء للخارج وأهل السبيل اللبنانيون الضائعون في القارات، والغارقون في المياه ولكن لا بأس من أصوات اخوتنا المهاجرين العظام في البرازيل وحي الشانزلزيه في باريس.
قد يكون للمقاول لحية أو بلا لحية، فمثل هذه الديكورات مرتبطة بنمطِ الإنتاج الاستعماري وتنوعاتهِ في فسيفساءِ المنطقة وسفاسفها، وليس بغياب الأمواس وغلائها، وقد يكونُ جنرالاً طلعَ فجأة من أزقةِ المحرومين لكن الإرسال الغيبي أتاحَ له أن يعرفَ جميعَ العلوم العسكرية وخاصة المتعلقة بتخريب الوطن، وقد يكون جنرالاً فقد رتبه العسكرية كلها وهرب من دبابته إلى المراقص الأوروبية، وصارتْ لديه دبابة وهمية يريد بها اقتحام الوزارات والمكتب الرئاسي ليجلس مرة واحدة عليه ثم يموت سعيداً عجوزاً مخرفاً وهو بين الخرائب والجثث.
وهو في كل لحظة لديه بيان خطير للشعب، وفي كل دقيقة له رؤية استراتيجية مذهلة، فتتزايد مشروعاتُ الجمهورية مثل كوابيسه التي يريدُ إنزالـَها على يافوخ الإنسان العادي، وقد سمعَ وهو في هلوساتهِ الباريسية بجمهورياتِ فرنسا، وعرفَ شيئاً من تاريخ الثورة الفرنسية وحكوماتِها المتحولة عبر الصناعات وقوانين الحريات لا عبر الدراجات الهوائية، فتوهم انه مثل روبسبيير، ونابليون خصوصاً، لكن فتوحاته مثل تصورات جمهورياته الشبحية الكابوسية، وفي حين قام روبسبيير خصوصاً بقطعِ رقابِ الأكليروس الإقطاعي يريدُ الجنرالُ نشرَها في المعمورة وتحويلها إلى دراكولات تمتصُ دماءَ العامة.
وقد يكون جنرالاً أوغل في الدماء ثم اكتشفَ فجأة الحداثة والديمقراطية وهمه هزيمة بقية الجنرالات وجيوشهم وليس معه سوى بقايا جيش مهزوم عشرات المرات في حروبه الصليبية.
أما بقية المقاولين السياسيين فهم إما متحالفون مع جنرالات فاشلين في الحروب العسكرية، وإما مع جنرالات فاشلين في الدبلوماسية، وهذا الفشل المزدوج أهلهم لأن يكونوا الحكام، المعترف بهم، في ساحاتِ الانتخاباتِ والتهامِ خرافِ الشعب في يوم العيد.
لم يستطعْ المقاولُ التاجرُ أن يؤثثَ البيتَ الديمقراطي إلا بديكورات الأشباح الكنسية والعروبية وما أنزل الملكان ببابل وبصواني الذبائح الصحراوية ذات الذبحات الصدرية والسياسية وظلال الدولارات النفطية الشيطانية الملعونة الهاربة دوماً إلى الغرب الكافر العديم الرحمة الذي أوقف الحروب والمعجزات السحرية الطائفية لغرضٍ في نفس يعقوب. وهو يُصابُ بجلطةٍ جيبيةٍ حين يسمع كلمة علمانية فهي تحولُ قضبانَ الذهب إلى صيصان، فيرتعدُ ويتنفضُ خوفاً حتى انه يمتطي حصانه الخشبي ويرفعُ سيفـَهُ الروحي ليحارب هذه الملة الفاسدة الدخيلة على إيمان لبنان العريق.

صحيفة اخبار الخليج
20 مايو 2009