المنشور

الخطاب الانتخابي الدعائي العدائي

تمنح ظروف ومناخ الانتخابات المرشح حرية وحصانة أوسع لترويج أفكاره وبرنامجه السياسي، خاصة المرشحين المرتبطين بتوجهات سياسية وينتمون لجمعيات ومنظمات سياسية، سواء كانت تلك التجمعات السياسية المنظمة جماعية أو تعلن نفسها تمويها بأنها مستقلة، وإذا ما كانت مستقلة بصورة تنظيمية، فإنها واحدة في البرنامج والاتجاه الفكري أو الخطاب السياسي أثناء الانتخابات أو قبله وبعده، وهذا ما نراه في مناخ الانتخابات الكويتية، وهي شبيهة بإخوتها البحرينية، مع وجود فوارق دائما كجزء من خصائص أي مجتمع. وتبرز من خلال الحملة الانتخابية حقيقة كل خطاب معلن أو غير معلن للفكر المؤدلج دينيا، على خلاف تلك التوجهات الدينية التقليدية التي عرفها تاريخ المنطقة. ويحاول في الحملة الانتخابية كل مرشح مؤدلج تمرير أفكاره وبرنامجه وتكتيكاته، التي تفصح عن الحقائق التي يحملها ويدعو لها ذلك التيار المؤدلج، هذا أو ذاك، إذ من المهم الإفصاح من خلال البرنامج الانتخابي عما سيعمل المرشح على فعله للشعب ! متى ما نجح بفضل هذا الشعب أو الناخب المؤمن الواعي. وجميعنا يدرك كم هي الشعارات مغوية ومضللة (بالكسر) للناخب المحدود، والمشبع أساسا طوال تلك الفترة بالمناخ الدعوي الديني وبالمحيط الدعائي الخارجي والداخلي لأهداف ونجاحات ذلك التيار (تيارنا الذي سيغير وجه العالم ) هكذا يبدأ الوهم الدائم لخطاب سياسي مستمر ما قبل الحملة الانتخابية وما بعدها وأثنائها. كل تلك المفردات الرنانة والمخادعة تتيح لكل مرشح الفرصة الذهبية ( وبما إن الذهبية حرام ) سنقول الفرصة الفضية، التي تجيز لهم وتتيح بلوغ قبة المجلس النيابي، فهناك سيعلو صوته بما وراء سقف المبنى، وإذا ما قيل له هناك عدسات الأضواء والمقابلات الصحفية أيام الحملة الانتخابية تنتظرك، فإنها بالفعل فرصة ذهبية لتمرير كل ما ينوي فعله التيار المؤدلج دينيا أو حتى غيره من التيارات. والغريب إن التيارات المتعصبة والمعادية للمرأة والحريات المجتمعية، باتوا أكثر من غيرهم يتحدثون أيضا عن حقوق الإنسان والمرأة كجزء مكمل للرجل في دورة الحياة وصيرورتها. وبما إن المناخ الانتخابي يتحفنا بالهزلي والتراجيدي، باعتبار أن التاريخ قائم على تلك الثنائية وان كانت أحيانا تتكرر مرتين إحدى تلك الثنائيات المتناقضة، وهذا ما نجده في ثنائيات، التصويت / المنع أو الحجب ضد المرأة، فمن جهة نادت تلك الأصوات السلفية بدعوة المرأة للتصويت، وهي نفسها من تدعو المرأة والمجتمع برمته بعدم جواز ترشيح المرأة كونه عملا آثما لا يجيزه الشرع. تلك الثنائية العجائبية تعكس صورتها الحقيقية وكأنها أمام مرآة مشروخة إلى نصفين فيجعل من المشهد السياسي الانتخابي اليومي والدعائي ليس إلا خطابا مشروخا في دعائيته ’ ومن جهة أخرى خطابا مشوها وعدائيا يعزل المرأة ويدعوها حسبما يراه حلالا وحراما كالعادة، ومن الجانب الآخر يشكل ذلك الخطاب الانتخابي في جوهره نصا تحريضيا ضد المرأة وحقوقها الدستورية، بل ويتناقض هؤلاء المولعون – عندما يرون حقوق الإنسان تناسبهم ويرفضونها عندما يختلفون ولا تناسبهم – فيتم تجزيء الحقوق والمبادئ المتكاملة وفقا للنص العالمي، فتتعالى أصواتهم التنديدية للمرأة، فيتم تشبيه حالتها الانتخابية، بالإثم !، فيا للجريمة. من هنا ينبغي للمجتمع بكل منظماته المدنية المنادية بحق المرأة المتساوي والكامل دون أي نقصان «وفق الدستور الكويتي ووفق إعلانات مبادئ الحقوق الدولية والتشريعات جميعها، والتي منحت المرأة كل تلك المناسبات والاحتفالات بيومها، كحقوق تم الاتفاق عليها من جميع الدول والمنظمات والهيئات التابعة للأمم المتحدة والكويت عضو فيها» غير أن أصحاب الدعوة السلفية، يمارسون كل الانتهاكات دون أي مراعاة أولا لكون الدستور الكويتي وثيقة على الجميع احترامها طالما اتفق الجميع على نصوصه، ومن الجانب الأخر احترام الوثائق والتشريعات الدولية التي تدعو لمنح المرأة كامل حقوقها ولا يجوز انتهاكها، فهي في عمق مضمونها العدائي تدعو للكراهية والتحريض. ولهذا على جميع المنظمات الحقوقية وغيرها، بعد الانتهاء من الانتخابات رفع دعاوى في محاكم الكويت تقاضي كل من حرَض على الموقف العدائي، وان تنقل تلك الانتهاكات للمحاكم الدولية المعنية بتلك الحالات، والاتصال بكل منظمات حقوق الإنسان العالمية لكي تساهم بالدفع لمحاكمة مثل تلك الخطابات العدائية للمرأة، فهي في جوهرها لا تختلف إطلاقا عن أنواع معينة من العنف المجتمعي المتنوع ضد المرأة وحقوقها. وإذا ما أهمل الكويتيون وخاصة النساء حقوقهن، فان مثل تلك الخطابات المعادية لها ستستمر وان كان بخطابات متلونة ومتعددة ولكنها ليست إلا صوتا واحدا منسجما مع معدنها المعادي – والمطلق – لحقوق المرأة المتساوي في الترشح والتصويت في عصر يدعو لحقوق الإنسان.
 
صحيفة الايام
19 مايو 2009