المنشور

ملفات ساخنة.. !!


جرياً على ما تعودنا عليه في البحرين، يتقدم ملف، ويتراجع ثان، ويطوى ثالث، ويعلق رابع، «ويلفلف» خامس، ويدخل سادس في دهاليز شتى، وقليلة تلك الملفات التي تناقش وتبحث بهدوء وتروٍٍ بعيداً عن الصخب وأجواء التشنج والانفعال والطأفنة والكيديات السياسية، ولا حاجة للتذكير بسائر الموانع والتحفظات والاعتبارات والاعتراضات والحسابات والمناورات والأهواء التي واجهت، ولاتزال تواجه ملفات ساخنة عديدة بات من المتعذر لجم التوظيفات المتعددة لكثير منها تبعاًً للمقاصد والنوايا.
من بين جملة الملفات تأتي في المقدمة ملفات الإصلاح، وتعزيز عناصر الإصلاح في المؤسسة التشريعية والرقابية، وإدارة التغيير الديمقراطي، ملف الشفافية والفساد وانفلات عيار المفسدين، وملف إدارة الاقتصاد، وملف الحوار الوطني، بالإضافة إلى ملفات تتصل بتعارض المصالح، جودة التعليم، التجنيس، المجتمع المدني ، والبيئة، والفقر والتنمية، والعدالة الاجتماعية، وحماية مقدرات الثروة الوطنية والمال العام، وملف التعديات على موارد الدولة من الأراضي والسواحل والبحار وفي ثنايا هذا الملف تجاوزات دفان البحر . هذا الملف هو بيت القصيد، وهو ملف يصدمنا مرتين، مرة في الفعل الذي غابت عنه الشفافية بأي مقياس، ومرة في رد الفعل الذي هوّن من شأن الفعل وكلاهما أعطيا حقهما من اللغط والإدانة.
إن بيانات لجنة التحقيق البرلمانية بشأن تجاوزات دفان البحر التي نشر جزء منها قبل أيام، تفرض هذا الاستدعاء، فهي بيانات وأرقام تستحق التأمل والوقوف عند قضية تجاوزات دفان البحر، وتدمير البيئة البحرية بكثير من الاهتمام والجدية وبدرجة عالية من الشفافية وبرغبة لابد منها في المراجعة والمعالجة والشجاعة المطلوبة المنزهة عن الهوى والمصلحة الخاصة.
من المفارقات التي لا تخلو من مغزى في شأن هذا الملف أن لجنة التحقيق البرلمانية المعنية بالنظر في تجاوزات دفان البحر، وجدت أن التشريعات القانونية ذات الصلة بحماية البحر وعددها 9 تشريعات، إضافة الى اتفاقيتين دوليتين لم تفلح جميعها في منع هذه التجاوزات أو وضع حد لها. صحيح أنه في ضوء الكثير من المعطيات والشواهد التي يزخر بها واقعنا الراهن ينبغي علينا ألا نذهب بعيداً في الطموح، فندعي أن اللجنة البرلمانية المعنية بالنظر في تجاوزات دفان البحر بمقدورها أن تضع حداً للتجاوزات المتعددة الأشكال والمستويات التي اشتدت وتيرتها في السنوات العشر الماضية، فإن الصحيح أيضاً أن هذا الملف هو اليوم أحد أهم وأخطر الملفات العالقة، لأنه شئنا أم أبينا هو ملف يتصل بالحاضر ويعني بمستقبل أجيال هذا البلد، كما أنه من جهة ثانية من بين أهم الملفات التي دارت حولها صفقات وشبهات، الأمر الذي لا يجب أن يقبل في ظله التبسيط والتهوين، أو الخطأ في الحساب والالتزام، ونعني هنا تحديداًً الالتزام بما نص عليه دستور مملكة البحرين في مادته «11» التي تقضي بالالتزام بالمحافظة على الموارد الطبيعية واعتبارها ملكا للدولة.
من هذه الزاوية، فإن من ينعمون بقسط وافر من البصيرة والفطنة، لاشك أنهم سيكتشفون بلا عناء بأن علامات استفهام وتعجب لا حصر لها تترامى من كل صوب إزاء هذه البيانات والمعلومات التي وردت في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حول تجاوزات دفن البحر، معلومات من نوع بان أكثر من 92% من تراخيص الدفان تعود ملكيتها إلى أفراد من أصل 286 ترخيصاً صدرت في الفترة من 2002 حتى 2008 فقط، وأن 22 ترخيصاً فقط لا غير تعود إلى الجهات الحكومية والباقي استثمارات خاصة أما بهدف البناء أو لإقامة مشروعات بمساحات ضخمة من الأراضي التي تم دفنها دون إعلانات ومناقصات.. ! والبيانات التي خلصت إليها اللجنة لا تقف عند ذلك الحد فهي تلفت الانتباه إلى أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في عمليات الدفان دون وجود ضوابط قانونية، خصوصاً بعد أن لعبت عمليات الدفان «الردم » والتجريف الحصة الأكبر في التأثير السلبي على البيئة البحرية، أدى ضمن ما أدى إليه إلى فقدان البحرين لــ 465 نوعاً من الأسماك كانت تجوب مياهها الإقليمية ليتراجع عددها إلى 35 نوعاً بعد أن كان 500 نوع .. !! .
 إذن الضوابط القانونية كانت ولازالت الحاجة إليها واضحة وضوحاً يعمي الأبصار، واذا كانت التشريعات المنظمة لدفان الشواطىء والتوسع في البحرين وأهمها قانون رقم 20 للعام 2006 الذي حرم التصرف في الشواطىء والسواحل والمنافذ البحرية المخصصة للنفع العام والمطلة عليها المدن والقرى الساحلية بأي شكل كان، إلا في الحالات التي تقتضيها المصلحة العامة، وسمح القانون للوزير المختص إزالة موقع الدفن ادارياً وبالقوة الجبرية على نفقة المخالف بسبب ما تقتضيه المصلحة العامة، اذا كانت هذه التشريعات لم تستطع أن تأخذ مداها الحقيقي والمطلوب في حماية الشواطىء والسواحل والمنافذ، واستمرت التجاوزات حتى الآن وان جاءت تحت شعار «المصلحة العامة»، فهل سيكون بمقدور لجنة التحقيق البرلمانية وما خلصت إليه من نتائج في تقريرها خاصة في شأن التدمير البيئي الخطير أن تدفع إلى قراءة واعية وصحيحة لهذا الملف ومن ثم حسن التصرف فيه دون استخفاف بذكاء المواطن، لأن الكل يعلم أن هذا الملف فيه الكثير مما هو غير معقول والذي يراد لنا أن نعتبره معقولاً وعادياً وخادماًً للتنمية.. !! حللوا كيفما شئتم وقلبوا هذا الملف من جميع الوجوه.. لتتبينوا مدى المرارة التي تكتنف هذا الملف، وسيكون من سوء التقدير وسوء الفهم والتحليل ألا نكتشف بأن هناك قواسم مشتركة بين هذا الملف وملفات أخرى عديدة، حاولوا لعلكم تستخرجون العبر.