المنشور

صحافة الورق وصحافة الإلكترون

انشغلت إحدى جلسات منتدى دبي الإعلامي الثامن الذي انعقد على مدى يومين، في الحادي عشر والثاني عشر من هذا الشهر بمناقشة مستقبل الصحافة الورقية، أمام ما باتت الصحافة الإلكترونية تطرحه من منافسة، بالطريقة التي يبدو معها المستقبل لهذه الأخيرة. وكما في كل سجال حول هذا الموضوع، وُجِدَ متحمسون لكل رأي من الرأيين المتصلين بالأمر. محبو الصحافة الورقية ومدمنوها، وصناعها بالطبع، يرون أن مكانتها ستظل مكينة، ومهما اتسع الحيز الذي تحتله الصحافة الرقمية، فإنها لن تفلح في زعزعة مكانة الصحافة الورقية من قلوب وأذهان الناس، الذين اعتادوا ألفة ورق الجريدة، وطريقة قراءتها، ومتعة أن يلمسوها ويتصفحوها بأياديهم، ويأخذوها معهم إلى المكتب والبيت والمقهى. أما أصحاب الرأي الآخر فقدموا معطيات باعثة على التشاؤم حول مصير الصحيفة في صورتها التي نعرف اليوم، التي عليها أن تعد العدة لجنازتها الوشيكة، وقرأت على أحد المواقع الإلكترونية أنه مع الإنترنت تدهورت مبيعات صحف عدة، وانتهى بها المصير في ملكية شركات كبرى تعتبر الصحف منتجاً، شأنه شأن المنظفات أو المحركات، مثلما حدث لصحيفتي «لوس أنجلوس تايمز» و«شيكاجو تريبيون». في صيف عام 2006 توقعت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية أن تختفي الصحافة الورقية أمام اكتساح الصحافة الرقميّة وطموح إعلام الإنترنت والثورة الإلكترونية، موضحة أن أبناء الجيل الجديد لا يحبذون قراءة الصحف الورقية. مؤلف كتاب «نهاية الصحافة» فيليب ميير توقع أن عام 2043 سيشهد طباعة آخر صحيفة ورقية في الولايات المتحدة، أما المحرر العلمي في «نيويورك تايمز» ايكل روجر فبدا أكثر تشاؤماً حينما قال إن الصحافة الورقية ستصدر آخر أوراقها عام 2017. ولا تسأل هؤلاء عن البرهان، فلديهم من المعطيات ما يكفي: صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» أوقفت نسختها الورقية نهائياً، مكتفية بنسختها الرقميّة، التي يتجاوز عدد زوارها مليون متصفح، وفيما وصلت ديون صحيفة «اللوموند» الفرنسية إلى 150مليون يورو، فإن نسختها الرقميّة تحقق نجاحات متواصلة لدى الناطقين بالفرنسية، في فرنسا وخارجها. أنا واحد من أبناء الصحافة الورقية ومحبيها، ومن المأخوذين بسحر الإمساك بصفحات الجريدة وتقليبها، وأنا مسترخ على السرير أو الكنبة، ويعز عليّ أن أقدم معطيات مؤداها أن على هذه الصحافة أن تلوّح لمحبيها تلويحة الوداع، بعد عقد أو عقدين أو ثلاثة. لكن للزمن اعتباراته التي لا تأبه كثيراً أو قليلاً بالرومانسي أو الحميم من عاداتنا.
 
صحيفة الايام
14 مايو 2009