المنشور

وماذا عن لجنة تحقيق جرائم غزة .. هل هي معادية للسامية؟

داة انتهاء مؤتمر مكافحة العنصرية “دوربان 2” في جنيف أواخر الشهر الماضي الذي قاطعته ته اسرائيل وحليفاتها الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة لمقتهم جميعا الشديد الاستماع الى أي حوار أو مداخلات داخل المؤتمر تدين جرائم اسرائيل أو تصفها بالعنصرية، وهي المقاطعة التي زاد من تصميمهم عليها بعد ما علموا بعزم الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد على القاء كلمة في المؤتمر يدين فيها بشدة جرائم اسرائيل ويصفها بالعنصرية، وهو ما حدث بالفعل الامر الذي أثار زوبعة وعاصفة من الاحتجاجات الشديدة من قبل اسرائيل وحليفاتها ضد كلمة احمدي نجاد، وضد المؤتمر برمته على حد سواء، وحيث اعتبرت كلمة نجاد معادية للسامية.. حينها قلنا، في ختام مقال لنا تعليقا على ذلك الموقف: فلكأنما عواصم العالم لم تشهد كل تلك المسيرات الاحتجاجية الشعبية الغاضبة منذ أسابيع قليلة فقط على جرائم الابادة الوحشية التي ارتكبها الفاشيون الصهاينة بحق أهالي غزة المدنيين طوال 23 يوما من العدوان، وقلنا أيضا: ولكأنما الامم المتحدة نفسها، التي أعرب أمينها العام الحالي بان كي مون عن استيائه من كلمة نجاد في انحياز مفضوح من قبله الى جانب دولة عضو في الامم المتحدة هي “اسرائيل” ضد دولة أخرى عضو في المنظمة ذاتها هي ايران لم تصوت جمعيتها العامة عام 1975 لقرار يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية، وهو القرار الذي ألغي بعدئذ مطلع عام 1991 بضغوط أمريكية غربية صهيونية محمومة شديدة داخل الامم المتحدة.
وقلنا أيضا: ولكأنما جنودهم الفاشيون العنصريون لم يعترفوا بعيد نهاية العدوان بتعمدهم وامعانهم في القتل العنصري والوحشي المقصود ضد المدنيين من أطفال ورجال، وعلى الاخص النساء الحوامل وذلك عن تخطيط مسبق.
وها هي لم تمض سوى أيام قليلة معدودة على زوبعة اسرائيل والدول الغربية الكبرى ضد مؤتمر “دوربان 2” وعلى تعاطف أمين عام الأمم المتحدة الخجول معها واذا باسرائيل تتلقى صفعة سياسية أخلاقية ملطفة تدين عنصريتها من داخل الامم المتحدة أيضا.
والصفعة هي عبارة عن شهادة جديدة بشأن بعض الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل بحق الانسانية وبحق المجتمع الدولي خلال عدوانها على غزة، وجاءت هذه الشهادة في تقرير صدر مؤخرا عن لجنة تحقيق شكلتها الامم المتحدة لهذا الغرض ينتقد اسرائيل ويتهم جيشها بسلسلة من الانتهاكات خلال حربها على غزة، ومن ضمنها التعمد باستهداف المدنيين وضرب مؤسسات الامم المتحدة “الاونروا”.
ويوصي التقرير بمطالبة اسرائيل “بالاعتراف رسميا بأن بياناتها التي ادعت ان الفلسطينيين هم الذين اطلقوا النار على مدرسة تابعة للأمم المتحدة غير صحيحة ويأسفون لها”، كما طالبت اللجنة في توصية أخرى باتخاذ اجراءات مناسبة لمتابعة طلبات تأمين اصلاح الدمار أو تعويض ثمن النفقات التي دفعتها الأمم المتحدة.
وعلى الرغم مما أسفرت عنه الجهود التي بذلها أصدقاء اسرائيل في الامم المتحدة وداخل اللجنة من التوصل الى صياغة تلطيفية على عبارات التقرير من قبيل بدل ان يقول التقرير “بيانات اسرائيل مضللة أو كاذبة” قال: “غير صحيحة وينبغي ان تأسف لها اسرائيل”، وبدل ان يقول التقرير ان وسائل القصف الاسرائيلية كانت وحشية ومتعمدة ضد مدنيين ولا تناسب قوة عسكرية محدودة جدا (قوى المقاومة) قال: “استخدمت اسرائيل وسائل قصف لا تتلاءم أبدا وتوازن القوى في المنطقة”.
وعلى الرغم أيضا من ان تقرير اللجنة أعد من قبل باحث بريطاني يوصف بأنه عريق في قضايا حقوق الانسان ورحبت اسرائيل بتعيينه وتعاونت معه ووفرت له كل الوثائق التي طلبها خلال التحقيق.. نقول على الرغم من كل ما تقدم فإن اسرائيل ثارت عقيرتها وجن جنونها لمجرد صدور تلك الشهادة الملطفة عن لجنة التحقيق مادام مضمون هذه الشهادة يدينها عمليا، فما معنى اذاً العنصرية؟ وما معنى الجرائم؟ فإذا لم يكن الامعان والتعمد بقتل الابرياء العرب المدنيين، باعتراف لجنة دولية تميل كفتها نسبيا لصالح اسرائيل، عنصرية، واذا لم يكن قصف الاهداف المدنية بشكل متعمد وبضمنها مدارس ومؤسسات دولية، جريمة فما هي الجريمة؟
واذا كان تحقيق اللجنة الدولية بشأن جرائم العدوان الاسرائيلي على غزة قد تمخض وأثمر عن هذا الحد الادنى الملطف من الاتهام الذي يدين اسرائيل في ظل ليس غياب عربي كامل وموازين قوى دولية مختلة بشدة لصالح اسرائيل فحسب، بل للأسف وبالتزامن مع الجهود التي تبذلها قوى حقوقية اسبانية نزيهة وقضاة شرفاء وحدهم من دون مساندة عربية لافشال مخطط اسرائيل للحيلولة دون انعقاد محكمة اسبانية للتحقيق في جرائم اسرائيل ضد الانسانية خلال حربها على غزة، فلنا ان نتخيل كيف سيكون الوضع الدولي سياسيا لصالح العرب لو لم يكونوا جميعا على ذلك النحو المخزي غير المسبوق من التمزق والتخاذل والتخلي عن قضيتهم الفلسطينية سواء خلال العدوان أم بعده الى يومنا هذا؟

صحيفة اخبار الخليج
11 مايو 2009