المنشور

قمم واُمم!! «2-2»

وتأسيسا على ما أسلفنا في حلقة الأسبوع الماضي من هذه المقالة، جاءت قمة الدوحة الأخيرة لتكرس ذات النغمة المعهودة التي باتت تنفرد بها دولنا العربية من بين سائر أمم الأرض، إنها نغمة الدوران الأزلي في حلقات مفرغة، إلا من الكلام المباح في مثل تلك المؤتمرات دون ملامسة فاعلة لجراحاتنا وأوجاعنا المزمنة في فلسطين ولبنان والعراق وغيرها، وحيث تُضَيع مواردنا وخيرات أرضنا العربية لتصبح نهبا لنوزاع الجشع التي لا يعنيها ما يدور في عالمنا الواسع من أزمات ومصاعب واستقطابات وتحالفات حتى أصبحنا بالفعل خارج التاريخ، ولم نوظف شيئا ولو يسيرا من طاقاتنا ومواردنا الكامنة والمعلنة لأحداث نهضة طال انتظارها حتى أصبحت حلما بعيد المنال دونه أجيالنا الحاضرة واللاحقة. وعلى النقيض من ذلك تصر كافة أمم الأرض الناهضة على إبهارنا بقدرتها المتجددة على الدوام في الاستفادة من تجاربها ومن عوامل فشلها وتراجعاتها وقدراتها وإمكاناتها وإبداعاتها، لتوظف كل ذلك باستمرار في عملية ومسيرة لا تتوقف مهما كان الخطب جللا أو كانت المهمة عصية ومعقدة، كذاك الذي تقوم به الدول الكبرى والصناعية من جهود تضافرت جميعها في قمة العشرين الأخيرة التي عقدت في…. والتي لم تستغرق سوى يومين اثنين لكنها نجحت في تسخير كافة عقول أبنائها وخبرائها الاستراتيجيين ومواردها المادية والبشرية والفنية ومؤسساتها المالية ومراكز أبحاثها لخدمة عوامل نهوض مجتمعاتها، والتي أنجزت بفعل حسن تعاملها الحضاري قفزات صناعية وتنموي هائلة حققت من خلالها تعاونا بين مختلف دولها بغض النظر عن صغر أو كبر حجم اقتصادياتها وهي التي كانت ومازالت تتباين في لغاتها، وحكمتها يوما صراعات مريرة فاقت كثيرا ما مر به تاريخنا القديم والحديث، إلا أنها عرفت الطريق إلى مصالحها وعبرت بحور وعوائق تخلفها التي غرقت فيها دهورا إلى حيث مجتمعات الحريات العامة والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان والعدالة والرقي الحضاري. وكان آخر تلك القمم المتتالية قمة دول أمريكا اللاتينية الأخيرة والتي حضرها الرئيس الأمريكي «باراك اوباما» والتي دشنت عهدا جديدا من التعاون بعد طول قطيعة امتدت لعقود كما هو الحال بين كوبا وأمريكا، وبرهنت على قدرة دول أمريكا اللاتينية مجتمعة في توظيف صراعاتها المريرة مع جارتها القوية سيدة العالم الكبرى لصالح تعزيز مواقعها التفاوضية ومصالح شعوبها دون انتقاص من سيادتها الوطنية. وعلى العكس منها وكما أسلفنا جاءت جل مؤتمراتنا وقممنا العربية الطارئة منها قبل العادية دون أن تستطيع دولنا وأنظمتنا السياسية مجتمعة أن تعطينا ولو بصيص أمل للخروج مما نعانيه من تراجع حضاري وفوضى مربكة تتهدد مصائرنا المثقلة بتركات البؤس والتخلف وضياع القيم وانتشار الحروب والصراعات المهلكة التي تدفعنا إليها سياسات بائسة، وحيث نتراجع دوما إلى الوراء تتقدم أمم وشعوب الأرض الأخرى التي لا يملك جزء كبير منها ما نملك من إمكانات مادية وبشرية أو حتى حضارية، لنبقى أسرى لحالات متكررة من الصراعات العدمية الدائمة دون جدوى، فلا النظام العربي بقادر على أن يغادر سوءاته تلك ولا الشعوب هي الأخرى بقادرة على أن تمتلك زمام المبادرة لتبادر بإصلاح ما أفسدته السياسات في ظل زحمة المفاهيم وفوضى الأيديولوجيات وضياع الهوية وخلط المفاهيم وظلاميتها. إنها ليست دعوة لجلد الذات كما سيذهب إلى ذلك البعض بل هي دعوة للخروج من واقعنا العربي المأزوم عبر صياغة عقد عربي جديد يكفل الخروج من حالات التردي والتراجعات الجارية، والتي تتجلى في أشد صورها كآبة إبان انعقاد قممنا العربية لا فرق بين أن تكون اعتيادية أم طارئة، في موازات ما يدور ويعتمل مـــن تحــــولات فــــي العالم الواسع من حولنا من تحولات كبرى ليس لنا فيها ناقة ولا جمل، إنها إذا مسؤولية نخبنا السياسية والثقافية ووسائل إعلامنا وأحزابنا السياسية، الليبرالية منها على وجه التحديد، في توجيه دفة الوعي المجتمعي والدفع بتحقيق شراكات ذات وقـــع ونهــــج مغايـــر لكنـــه إيجابـــي وفاعـــل، بحيـــث يفــــرض قناعاتـــه على الأنظمة ويكفل دعم البرلمانـــات والشعـــوب على حــــد ســــواء توطئـــة للخروج مما تعانيـــه امتنــــا مــــن هـــوان وتراجــع حضاريين وعلى مختلف المستويات.
 
صحيفة الايام
10 مايو 2009