المنشور

مداخلة الأستاذ شوقي العلوي في ندوة المنبر التقدمي: “أي حوار نريد”؟

الإخوة الأعزاء
مساء الخير لكم جميعاً
بداية أتوجه بالشكر الجزيل للمنبر الديمقراطي التقدمي قيادة وأعضاء على الدعوة لي للمشاركة في هذه الأمسية متحدثاً مع أخي الدكتور حسن، الذي دعاني مشكوراً لمشاركته الحديث، ولم أجد إلا أن ألبي رغبته بالرغم من أنني لم أتعود أن أكون منتدياً ولا حتى مشاركاً في الحوارات التي تتم في الندوات العامة، حيث أن الحديث المباشر يحتاج إلى ملكات خاصة لا تجلب الملل للحاضرين، لذاك أعتذر مقدماً على التقصير.
انتقل إلى موضوع الحوار الوطني الذي يجري الحديث عنه، لأقول إنه من مصلحة النظام السياسي ومن مصلحة المواطنين ومن مصلحة القوى السياسية أن يكون هناك وطن آمن مستقر مزدهر تصان فيه الحقوق والواجبات، والحوار بين كافة الأطراف هو أمر واجب ومطلوب في كل الأوقات، وهو يساهم بكل تأكيد في خلق الأمن والاستقرار والازدهار.
على صلة بموضوع الحوار الوطني المطلوب، هناك الكثير من التساؤلات والعناوين يجب علينا تناولها والبحث لها عن إجابات، فمع كل التقدير والدعم للمبادرة الوطنية المتزنة التي صدرت عن المنبر الديمقراطي التقدمي، إلا أنها جاءت في وقت كان فيه هناك احتقان متفجر في الشارع وتصاعد في أحداث مؤسفة، لذلك جاءت المبادرة وكأنها تهدف إلى نزع فتيل التوتر القائم.
العنوان الأول الذي أعتقد أنه مهم وذو علاقة بأي حوار وطني، هو الواقع الذي نعيشه نحن ذاتياً، وأقصد بـ “نحن” هي قوى التيار الوطني الديمقراطي. فهل واقعنا يؤهلنا إلى أن نشكل رقماً فاعلاً يدع قوى الإسلام السياسي بداية أن تعطينا الاعتبار الذي نستحقه بدلاً من أن تستخدمنا هذه القوى ورقة بيدها ساعة تشاء وتعطينا ظهرها ساعة تشاء؟ أقول: إنه بيدنا أن نقزم أنفسنا تجاه الإسلام السياسي وتجاه السلطة، لذا فإن الطرفين يتعاملان معنا وفقاً لذلك، وكذلك بيدنا أن نعيد الاعتبار لأنفسنا.
في هذا الشأن أطرح على قيادتي المنبر الديمقراطي التقدمي والعمل الوطني الديمقراطي التقدمي ” وعد” جملة من التساؤلات، باعتبارهما الجمعيتين اللتين تشكلان الركن الأساسي لقوى التيار الوطني الديمقراطي، وهي تساؤلات كانت ومازالت مطروحة من قبل الكثيرين الحريصين على قوة وفعل هذا التيار. هل نحن نعيش وهماً اسمه التيار الوطني الديمقراطي؟ بالرغم مما تعلنه الجمعيتان بين وقت وآخر عن اجتماع بين قياديتهما وصدور بلاغ عن الاجتماع واحتفال مشترك بمناسبة ذكرى اسشهاد الشهيدين محمد بوجيري وسعيد العويناتي هل هو أقصي ما تستطيع الجمعيتان الوصول إليه؟ عندما تعصف بالوطن أحداث خطيرة كالتي جرت خلال الشهور الماضية، هل اجتمعت قيادتا الجمعيتين وتدارستا ما يجري لاتخاذ موقف مشترك، بدلاً من غطاء الرباعي والسداسي؟ ما الذي يحول دون دخول الجمعيتين في حوار معمق وجريء؟ لماذا لا تسعى الجمعيتان إلى خلق آلية تمتاز بالوضوح والشفافية نحو إيجاد طاولة حوار مستمرة تأخذ وقتاً قد يكون طويلاً تكون أداة معلنة تجاه قواعدهما وأنصارهما يشارك فيها من يملك رؤية ووجهة نظر تتناول واقع هذا التيار وأفاقه المستقبلية بدلاً من دفن الرؤوس في الرمال وتجهيل النفس والآخر؟
إن لم نعِ واقعنا وقدراتنا لا نستطيع الدخول في حوار مع الآخر سواء سلطة أو قوى سياسية أخرى. نتراكض خلف دعوة حوار يطلقها الناشط السياسي عبدالوهاب حسين لأهداف تخصه وتخص تيار الإسلام السياسي الشيعي، في الوقت الذي نمتنع فيه عن قبول دعوات توجه من أوساطنا للحوار أولاً فيما بيننا؟ لماذا لا نكون نحن أصحاب مبادرة لدعوة الآخرين للحوار؟
بدأت بتناول جانب من وضعنا الذاتي؛ فالسعي نحو الحوار الوطني الشامل، وهو الحوار الذي يجب أن يشارك فيه الحكم، هو مطلوب ومرغوب فيه، لكن لا بد أن يسبقه حوار مع الذات وحوار مع بقية القوى السياسية ومن ثم التوجه للحكم لطلب الحوار معه.
العنوان الثاني الذي أرى أنه ذو علاقة بالحوار الوطني المنشود هو لماذا الحوار الوطني مطلوب ومرغوب فيه؟ ومن هي أطراف هذا الحوار؟ وهل التوجيه الذي قال به جلالة الملك هو أن مكان هذا الحوار هو المجلس الوطني هو ما نوافق عليه؟ هذه بعض التساؤلات، فهناك أسئلة كثيرة وعديدة لدينا جميعاً. أحاول من وجهة نظري المتواضعة أن أقول بعض الرأي فيها. لا بد لنا من أن نقر مجتمعين أن هناك الكثير من التطورات الإيجابية منذ تسلم جلالة الملك مقاليد السلطة، هذا مقارنة بحقب سوداء عاشها الوطن على مدار عقود طويلة من الزمن، لكن هذا لا يعني أن ما هو مرجو قد تحقق، وأن الأيام الجميلة التي لم نعشها و وعدنا بها قد جاءت، فمقابل ما هو إيجابي وبطبيعة الصراع ما بين الخير والشر، هناك من هم أصحاب مصلحة بإبقاء العجلة عند مكانها، بل والعمل على إعادتها إلى الخلف. لذا فإن الكثير من الملفات التي تؤدي إلى إيجاد الأرضية الخصبة لأعمال العنف المتكررة لا زالت قائمة وربما تفاقم وضع البعض منها، وما يعيب الحكم في ذلك أنه يتنكر ويتهرب منها، وهي ملفات خطيرة تستدعي الحوار حولها، ليس المجال هنا لتعدادها والحديث عنها فهي معروفة لدينا جميعاً.
من هي أطراف الحوار المطلوب؟ إن الأمر المؤسف له في هذا المجال أن الحكم قد اتبع سياسة التفاوض وليس الحوار مع زعماء الطوائف سراً، وهذا يتكرر دائماً وهو ما حصل أخيراً قبل العفو الملكي الأخير، حيث لجأ الحكم إلى التفاوض مع زعماء طائفة، وهذا التفاوض لم يجرِ حول المسائل الوطنية التي تخص الوطن بمجمله، فالذي تسرب إلينا حول ما تم في هذا التفاوض هو بناء المآتم والمساجد وإطلاق سراح الموقوفين والمحكومين، والأمر المؤسف له هو قبول الجمعية الرئيسية من جمعيات الإسلام السياسي الشيعي وهي جمعية الوفاق الإسلامية لذلك عبر مرجعيتها الدينية، متجاهلة في ذلك بقية الجمعيات السياسية الأخرى.
إن أطراف الحوار المطلوب مشاركتها هي جميع القوى السياسية دون استثناء وممثلي مؤسسات المجتمع المدني وعلى وجه الخصوص اتحاد نقابات العمال والاتحاد النسائي وغرفة صناعة وتجارة البحرين والشخصيات الوطنية صاحبة الرأي والخبرة ورئيسي مجلسي الشورى والنواب وممثلي الحكم المفوضين.
وحول توجيه جلالة الملك ليكون المجلس الوطني المكان المناسب لإجراء الحوار، أقول: فمع كل الاحترام والتقدير لتوجيه جلالته، إلا أنه باعتقادي المتواضع أن التوجيه لا يمتاز بالوضوح الكافي؛ فهل المطلوب أن يتفاوض أعضاء المجلس الوطني مع بعضهم البعض باعتبارهم ممثلي الشعب المعينين والمنتخبين؟ إن التجربة طوال السنوات السبع الماضية أثبتت أن تشكيلة المجلس المنتخب لم تنتج أعضاء مؤهلين للحوار مع بعضهم البعض حول القضايا الوطنية الهامة، فالاصطفاف الطائفي هو الغالب عليهم حقاً أو باطلاً.
المطلوب ليس حواراً بين أعضاء المجلس الوطني، بل المطلوب هو حوار بين الحكم وقوى المجتمع.
ما هي الآلية للحوار المطلوب؟ أعتقد أن جلالة الملك بما يملك من صلاحيات ومبادرات جريئة هو القادر على قيادة مثل هذا الحوار ووضع الآليات المناسبة له. فهو صاحب مبادرة الميثاق الوطني الذي حصل على ما يقارب الاجماع الوطني عند التصويت عليه. لذلك هو القادر على إطلاق مباردة وطنية شجاعة لإجراء حوار جريء وشفاف حول جميع الملفات دون استثناء.
العنوان الثالث هو الشروط اللازمة لتحقيق الحد الأدنى من النجاح للحوار، فليس المطلوب منا أن نكون متفائلين بنتائج هي أكبر بكثير من الواقع المتاح، أرى أن هذه الشروط قد تحقق جانب منها في مبادرة المنبر الديمقراطي التقدمي، لكنني أضيف عليها ما يؤكد على فحواها، أضيف عليها العنوان الأول الذي أشرت إليه وهو شرط خاص بنا ومتعلق بذاتنا، وأعيد هنا للتأكيد عليه، فما لم نبني ذاتنا بشكل جيد لن نكون مسموعين ولن يعطينا الآخر الاعتبار الذي نستحقه. علينا وعلى الآخرين أن نقر جميعا و بوضوح وصدق وبشفافية بشرعية الحكم واختيارنا الحر له وإن اختلفنا معه وإن كنا نعارضه في الكثير من السياسات، علينا أن نرفض وبوضوح بعض الخطابات التي تصدر من هنا أو هناك وهي خطابات ضارة بالعمل الوطني وبحقوقنا المشروعة، قد يسأل البعض هنا عن الخطابات التي أقصدها، فأقول بوضوح هي خطابات تصدر من بعض الناشطين في العمل السياسي في داخل البحرين وبعضها يصدر في خارج البحرين من أشخاص اختاروا لأنفسهم خطاباً متشنجاً بعيداً عن الواقع.
كذلك على الحكم أن يكون واثقاً أننا حريصون على استتباب أمن هذا الوطن وازدهاره، بمثل ما نحن حريصون على نيل الحقوق المشروعة، بمثل ما نحن حريصون على رفض السياسات الخاطئة، يجب علينا أن نكون حريصين على النضال السلمي البعيد عن كل أشكال العنف قولاً وفعلاً.
 
هذه عناوين قليلة لموضوع كبير، بالتأكيد لدى الجميع ما يختلف عما قلته ويضيف إليه، أرغب دائماً أن أكون مستمعاً أكثر من أن أكون متحدثاً.
 أشكر لكم وأكرر شكري لأخي الدكتور حسن.

الأحد 3 مايو 2009