المنشور

عن دور التجار وغرفتهم في سبعينيتها

تساءلنا أمس: ماذا كان سيضر الدولة لو أنها أقرت بحرية العمل النقابي، وسمحت بقيام النقابات في البحرين قبل ثلاثين أو عشرين سنة من تاريخ إقرار هذا الحق عند بداية المشروع الإصلاحي؟ وتساءلنا أيضاً: أين الضرر الذي لحق بعد قيام هذه النقابات، وليس متعيناً علي أن أجيب، فالجواب ماثل أمام أعين الجميع، وفي مقدمتهم الدولة التي يجب أن ترى أننا صرنا، من هذه الزاوية بالذات، في حال أكثر صحية. من مفارقات تاريخنا السياسي المعاصر أن الدولة سمحت بقيام ما يشبه النقابة للتجار ورجال الأعمال، هي غرفة تجارة وصناعة البحرين، التي نهنئ مجلس إدارتها وجميع أعضائها بمناسبة مرور سبعين عاماً على تأسيسها، ولكنها، صادرت لأكثر من نصف قرن حق قيام النقابات العمالية، وحددنا هذا المدى الزمني انطلاقاً من أن الدعوة لإطلاق حرية العمل النقابي ابتدأت منذ أوائل خمسينيات القرن العشرين، يوم شكلت قيادة الحركة الوطنية، ممثلة في هيئة الاتحاد الوطني أول اتحاد للعمال في البلاد. لكن هذه المفارقة، أو حتى التناقض، لن يمنعانا من أن ننظر إلى أن تأسيس غرفة التجارة والصناعة، قبل سبعين عاماً حدث مهم ليس بالنسبة للتجار وأصحاب الأعمال وحدهم، وإنما بالنسبة لمجمل التطور الاجتماعي الاقتصادي، وأكاد أقول السياسي للبحرين. وفي هذا المجال استوقفني منذ أيام قلائل مقال كتبه الصحافي الشاب حيدر محمد بمناسبة ذكرى تأسس الغرفة، لأنه لم يكن فقط مقالاً احتفائياً بهذه المناسبة المهمة، فكاتب المقال أراد تذكير النخبة التجارية في البلاد بدور لعبه أسلافها منذ عقود في الحراك الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع البحريني، كأنه يريد القول أن تجار اليوم تنازلوا عن هذا الدور أو، في حالٍ أحسن، تقاعسوا أو تراجعوا عن أدائه. ذكّرنا كاتب المقال بهذا الدور، خاصة في المرحلة التي سبقت وتزامنت مع حقبة الاستقلال، للدرجة التي جعلت من مذكرات المستشار البريطاني تشارلز بلغريف لا تكاد في يومٍ تخلو من الإشارة إلى أسماء مجموعة من التجار الذين كانوا بمثابة المرجع لمعرفة نبض الشارع. سيستمر هذا الدور بعد إعلان الاستقلال، وفي التجربة النيابية الأولى، التي كان إيقافها ايذاناً بتحول قطاع التجار إلى الانكفاء عن الاضطلاع بدور اجتماعي وسياسي كان منتظراً منهم، وما زال هذا الانكفاء مستمراً حتى اليوم وسط حال من التردد وحتى التهيب من ولوج هذا المجال، مما أفقد الساحة السياسية والمجتمعية دور قوة فعالة يعول عليها الكثير في ضبط التوازن المجتمعي، أمام صعود التيارات المذهبية المحافظة، وتغير لعبة التحالفات السياسية للدولة. وفاقم من الأمر ما آل إليه التيار الوطني الديمقراطي من ضعف ومن تشتت في الجهود، ومن ارتباك في الأداء وفي صوغ التحالفات، فغلب على المظهر السائد في الساحة السياسية والمجتمعية الطابع المحافظ، الذي ينزع أكثر فأكثر نحو صور الانقسام المذهبي الذي ليس بوسع تيارات الإسلام السياسي بشقيها السني والشيعي على حد سواء تجاوزه، لأنه يعكس الخلل الهيكلي أو البنيوي الناجم عن جينات تكوين هذا التيار في ظروف الثنائية الطائفية في مجتمع البحرين. ربما كانت لنا عودة لهذا الحديث.
 
صحيفة الايام
5 مايو 2009