المنشور

وقفات تأمل مستحقة !


بعد أن تمّ الإفراج بكفالات عن المعتقلين من المرشحين والإعلاميين فإنّ هناك استنتاجين متباينين يمكن التوصل إليهما تجاه ما حدث… وهناك بعد ذلك ضرورة لبعض وقفات التأمل المستحقة.

الاستنتاج الأول يرى أنّه تمّ التخلي عن النهج المستحدث لتقييد حرية التعبير عن الرأي، أو التوقف عنه على أقل تقدير، بعدما اتضحت استحالة استمرار هذا النهج غير المعتاد وإجراءاته الاستثنائية، وبعد أن تحوّلت ردود الأفعال عليه إلى تحركات ومواقف أقوى وأشرس من تلك التي كان يُراد قمعها وتحجيمها، وأنّ النتائج العكسية للهدف المرسوم لنهج التقييد قد برزت بوضوح مع الفوز الساحق وغير المتوقع للمرشح خالد الطاحوس في فرعية قبيلته، وكذلك في الالتفاف الحاشد حول النائب السابق المرشح الدكتور ضيف اللّه بورمية بعدما تحوّلا إلى «رمزين»، وأنّ المؤشر الأهم لهذا التراجع تمثّل في تخلي الحكومة عن مشروعات المراسيم الثلاثة بقوانين في شأن الاجتماعات العامة، وتجريم الاعتصامات والإضرابات، ومنع ترشيح مزدوجي الجنسية، التي سبق أن تمّ إعدادها وبحثها في لجنة الشؤون القانونية بمجلس الوزراء تمهيداً لاقتراح إصدارها خلال فترة حلّ مجلس الأمة وفقاً للمادة 71 من الدستور، إذ أنّ هذا التخلي عن مشروعات المراسيم بقوانين كان البداية الفعلية للتراجع عن نهج تقييد حرية التعبير عن الرأي، الذي جرت محاولة الاندفاع نحوه، وذلك بعدما ارتدت عواقبه سلبياً واتضح مقدار كلفته الباهظة!

أما الاستنتاج الآخر المتباين تماماً مع الاستنتاج الأول حول دلالة قرارات الإفراج فيرى أنّ نهج تقييد حرية التعبير مستمر ولم يتوقف، إذ حققت الاعتقالات والإجراءات الاستثنائية والاتهامات المبالغ فيها الأهداف المرسومة لها في «استعادة الهيبة»، و«خفض سقفي الخطابين السياسي والإعلامي»، وأنّ أي تصريحات مشابهة لما صدر على ألسنة مَنْ تمّ اعتقالهم وتوجيه تهم أمن الدولة إليهم ستُواجه بالأسلوب ذاته!

والآن وأياً كان الاستنتاج الأقرب إلى الصحة، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة، فإنّ هناك ضرورة لوقفات مراجعة مستحقة يفترض أن تقوم بها الأطراف المختلفة… فالطرف الحكومي مدعو إلى إدراك صعوبة استمراره في مواصلة نهج تقييد حرية التعبير في ظل وضع دستوري قائم، وفي ظل الواقع السياسي والتاريخي والاجتماعي الكويتي، خصوصاً في فترة ما بعد الانتخابات وما سيفرضه وجود مجلس الأمة وحصانة النواب من اعتبارات لا بد من مراعاتها، وبالتالي فإنّه على الطرف الحكومي، خصوصاً المندفع منه، أن يدرك أنّ هذه طريق مسدودة، وأنّ هناك «أكباش فداء» قد تتمّ التضحية بها إذا ما تم التراجع عن السير في هذه الطريق المسدودة، وإذا ما أُريد تجاوز آثار ما حدث، وفي العادة فإنّ «أكباش الفداء» تكون هي العناصر الأشد حماساً وتطرفاً والتصاقاً بالإجراءات التي يتم التراجع عنها أو التبرؤ منها…

 أما أعضاء مجلس الأمة المقبل فإنّهم بعد كل ما حدث لا يستطيعون طيّ الملف وكأنّ شيئاً لم يكن وذلك من دون مساءلة مستحقة ليس فقط للأشخاص المسؤولين عما حدث في حال استمرار توليهم المسؤولية، وإنما أيضاً لمساءلة ومراجعة أوضاع الأجهزة ذات الصلة والتأكد من حقيقة وضعها وطبيعة دورها، وفي الوقت نفسه لابد من معالجة الثغرات الصارخة في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بحيث يتمّ تقليص فترة الاحتجاز الطويلة نسبياً لدى الشرطة من أربعة أيام لتصبح 24 ساعة فقط، وأن يتم التدقيق في مدى سلامة وانضباط بعض التهم المطاطة في مواد قانون الجزاء خصوصاً في تعديلاته التي جرت في العام 1970 بشأن الجرائم الواقعة على أمن الدولة، التي تمّ التوسع في تفسيرها والتمادي في استخدامها، واستحداث قانون لتنظيم الدعاية الانتخابية مع توفير ضمانات جدّيّة لحرية المرشحين في التعبير عن آرائهم السياسية وفي انتقاد الحكومة ومعارضتها…

وكذلك فمن واجب النيابة العامة أن تلتزم تماماً بالدور المستقل الذي حددته لها المادة 167 من الدستور… ومن واجب القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني خصوصاً ذات الصلة بحقوق الإنسان وحرية التعبير وتحقيق العدالة أن تعيد النظر في سلبيتها الفاضحة وتقصيرها المكشوف وتخلي معظمها عن دورها ومسؤولياتها وتجاهلها ما حدث وكأنّه أمر لا يعنيها!

ويبقى الأمل قائماً بأن يكون ما حدث مجرد ظرف عارض…!
 
جريدة عالم اليوم 23 ابريل 2009