المنشور

ســـــذاجــــة سيــــاسيــــة

أطرقت منزعجاً‮ ‬من نبأ إقدام رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس على رفع سماعة الهاتف والتحدث مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتهنئته بتقلده لمنصب رئاسة الحكومة الإسرائيلية وكذلك بعيد الفصح اليهودي‮.‬فلم أكن أتصور أن‮ ‬يبادر مسؤول فلسطيني،‮ ‬مهما كانت مرتبته السياسية أو الحزبية،‮ ‬للمشاركة في‮ ‬حملة العلاقات العامة الإسرائيلية الرامية لفك العزلة عن حكومة نتنياهو التي‮ ‬لا تختلف لا في‮ ‬الشكل ولا في‮ ‬المضمون عن حكومة موسيليني‮ ‬في‮ ‬إيطاليا وحكومة النازي‮ ‬في‮ ‬ألمانيا في‮ ‬عشرينيات وثلاثينات القرن الماضي،‮ ‬وهي‮ ‬بتركيبتها الفاشية الفاقعة‮ (‬نتنياهو+ليبرمان‮) ‬قد وضعت حلفاء إسرائيل في‮ ‬الولايات المتحدة وأوروبا في‮ ‬حرج شديد حتى ضمن حدود المبدأ الذي‮ ‬تعملان به منذ إنشاء الدولة العبرية وهو الانتصار لإسرائيل مهما كان جورها‮.‬ حتى وزيرة الخارجية الإسرائيلية وزعيمة حزب كاديما تسيبي‮ ‬ليفني‮ ‬لم تستسلم أمام إغراءات نتنياهو الحكومية‮ ‘‬السخية‮’ ‬وأبت إلا أن تحرم‮ ‘‬العنجهي‮ ‬المغرور‮’ ‬من الورقة التي‮ ‬كان‮ ‬يريد ستر عورته بها،‮ ‬ناهيك عن عورة شريكه في‮ ‬الائتلاف الحكومي‮ ‬ممثل المافيا الروسية في‮ ‬إسرائيل،‮ ‬المتسيس‮ ‬‭-‬‮ ‬لغرض في‮ ‬نفس‮ ‬يعقوب‮ ‬‭-‬‮ ‬أفيغدور ليبرمان‮.‬ وحده الإرهابي‮ ‬المفلس باراك،‮ ‬وكما كان متوقعاً،‮ ‬لم‮ ‬يتورع عن بيع حزبه‮ (‬حزب العمل‮) ‬في‮ ‬سبيل إرضاء‮ ‬غروره وطموحاته الشخصية،‮ ‬حيث لم‮ ‬يتردد لحظة في‮ ‬تقديم‮ ‬غلالة حزبه اليساري‮ ‬المزعوم‮ (‬بمقاييس إسرائيل‮) ‬المتهتكة أصلاً،‮ ‬لستر‮ ‘‬عرى‮’ ‬نتنياهو وليبرمان،‮ ‬ولسان حاله‮ ‬يقول لكل من مازال‮ ‬يراهن على هذا النوع من اليسار المزعوم،‮ ‬بأنه ليس في‮ ‬إسرائيل الحزبية‮ ‬يمين ويسار وإنما هناك عقيدة واحدة‮ ‬يستظل بها الجميع وهي‮ ‬إن ما تم الاستيلاء عليه بالقوة تحت‮ ‬غطاء الدين والعصبية القومية الشوفينية،‮ ‬لن تتم إعادته إلى أصحابه الشرعيين‮. ‬حيث‮ ‬يتم التعبير عن هذا الموقف إما مداورة بادعاء القبول بمبدأ المفاوضات،‮ ‬ولكنها من ذلك النوع من المفاوضات الذي‮ ‬يقطع النفس ويشيع اليأس إذ لا‮ ‬ينتج طحناً،‮ ‬وإما علانيةً‮ ‬على النحو الصريح والفاقع الذي‮ ‬عبر عنه ليبرمان ونتنياهو بالقول إن إسرائيل لا تقبل إقامة دولة فلسطينية مستقلة،‮ ‬وإن إسرائيل‮ ‬غير معنية بنتائج مؤتمر أنابوليس‮. ‬وأخيراً‮ ‬وليس آخراً‮ ‬قول ليبرمان لجورج ميتشيل المندوب الأمريكي‮ ‬لعملية‮ ‘‬السلام‮’ ‬في‮ ‬الشرق الأوسط،‮ ‘‬بأن زمن التنازلات الإسرائيلية قد ولّى‮’.‬ وتحرياً‮ ‬للدقة تعالوا نقرأ ما ورد في‮ ‬بيان رئاسة مجلس الوزراء الإسرائيلي‮ ‬بخصوص مكالمة أبومازن لنتيناهو،‮ ‬فقد جاء في‮ ‬ذلك البيان ما نصه‮: ‘‬إن رئيس السلطة الفلسطينية اتصل هاتفياً‮ ‬برئيس الوزراء ليعبر له عن تمنياته بمناسبة الفصح اليهودي‮ ‬ويؤكد على ضرورة العمل من أجل السلام،‮ ‬وأن رئيس الوزراء ذكَّر بالتعاون والمحادثات التي‮ ‬جرت بينهما في‮ ‬الماضي،‮ ‬وأبلغه نيته معاودة ذلك في‮ ‬المستقبل بغية دفع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين،‮ ‬وإن المحادثة كانت ودية‮’.‬ تبدو المحادثة الهاتفية بروتوكولية خالصة على الأقل بالنسبة للأخ أبومازن،‮ ‬ولكن ذلك في‮ ‬الظاهر وحسب‮. ‬فإسرائيل لا تفوت،‮ ‬على جري‮ ‬عادتها،‮ ‬أية سانحة لاستثمارها حين ترى فيها فائدة ومصلحة تخدم آلتها وأجندتها الدعائية‮. ‬إذ سارع مكتب رئيس الحكومة لإصدار بيان‮ ‬يرسل من خلاله رسالة تضليل للرئيس الأمريكي‮ ‬أوباما الذي‮ ‬بادر منذ البداية لتعيين جورج ميتشل مندوباً‮ ‬في‮ ‬الشرق الأوسط لتأكيد التزامه بإيجاد حل للصراع العربي‮ ‬الإسرائيلي،‮ ‬بأن حكومة نتنياهو-ليبرمان سوف تتعاطى مع الجهود الأمريكية في‮ ‬هذا الصدد من دون تقديم أي‮ ‬التزام،‮ ‬ولو شفهي،‮ ‬بالتوصل إلى حل الدولتين الذي‮ ‬اقترحته واشنطن‮.‬ كما إن البيان حين أشار إلى عملية السلام ذكر بالحرف الواحد‮ ‘‬بين إسرائيل وبين الفلسطينيين‮’ ‬ولم‮ ‬يقل‮ (‬محررو البيان‮) ‬بين إسرائيل‮ (‬الدولة هنا‮) ‬والسلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير،‮ ‬لما تمثلانه من رمزية للدولة الفلسطينية‮. ‬والمغزى واضح لكل لبيب.فهل هذه الحكومة الفاشية الفاقعة‮ ‬يا أبومازن تستحق من‮ ‬يلقي‮ ‬عليها التحية؟ إنها حكومة حرب وعدوان‮.. ‬هي‮ ‬تشبه الحكومة النازية التي‮ ‬نجحت بشعبويتها وأضاليلها أن تلحس عقول الدهماء في‮ ‬ألمانيا وأن تصعد إلى سدة الحكم في‮ ‬مطلع ثلاثينات القرن العشرين الماضي،‮ ‬والتي‮ ‬شرعت منذ البدء في‮ ‬تعبئة الشعب الألماني‮ ‬استعداداً‮ ‬لسلسلة الحروب العدوانية التي‮ ‬قررت الطغمة النازية بزعامة أدولف هتلر شنها في‮ ‬القارة الأوروبية وانطلاقاً‮ ‬منها إلى بقية أنحاء المعمورة.ولن‮ ‬يستطيع لا جورج ميتشيل ولا رئيسه باراك أوباما إيقاف‮ ‬غطرسة القوة لهذه الحكومة الفاشية الخطيرة‮. ‬ولا أدل على ذلك من انهزام أوباما أمام سطوة جماعات الضغط الصهيونية وصقور اليمين الأمريكي‮ ‬المتصهين حين تخلى عن مرشحه لشغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي‮ ‬السفير السابق لدى المملكة العربية السعودية تشارلز فريمان،‮ ‬وتركه نهباً‮ ‬لتهديدات وابتزازات ذلكم اللوبي،‮ ‬ما دفعه لسحب ترشيحه،‮ ‬وكل ذلك لأن الرجل جاهر بانتقاداته للسياسة الإسرائيلية في‮ ‬الأراضي‮ ‬الفلسطينية المحتلة‮.‬ منتهى القول،‮ ‬هذه حكومة فاشية لا تتورع عن التصريح جهراً‮ ‬باعتزامها تطبيق سياسة‮ ‘‬الترانسفير‮’ (‬التطهير‮) ‬ضد السكان العرب في‮ ‬إسرائيل البالغ‮ ‬تعدادهم أكثر من مليون نسمة ما لم‮ ‬يقسموا الولاء للدولة الصهيونية‮. ‬فهي‮ ‬تستحق الازدراء لا التحية‮.‬

صحيفة الوطن
 25 ابريل 2009