المنشور

من كان منكم بلا خطيئة…

كان السيد المسيح عليه السلام يقول: “من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر”، وقد جعلَ المسألة أخلاقية محضة، في حين جعلها الإسلامُ أخلاقية ومادية معاً، فوزع الغنائم والأموال على الناس، وما عاد للمتاجـِرة في جسدها حجة، ثم انتهى هذان التوزيع والضمان العام للفقراء بتغلب الأغنياء الكبار على الحكم والسلطان والثروة إلى يومنا هذا. ولأن العدل معدوم فالعقوبات مرفوضة.
ومن دون اجتثاث الفقر فإن مشكلة المتاجرين والمتاجرات في عقولهن وأجسادهن لن تـُحل.
فبدلاً من رميهن بالحجارة والدعاية الساخطة الداعية للتفقير والافلاس والعنف، وغلق أبواب الأعمال، يجب درس الحالات والظروف، وأهمها مقاومة سياسات تشكيل الفقر في بلداننا، وسد الأعمال في الفنادق والمصانع، حيث لا نعرف مسارات الثروة العامة الهائلة، وغياب سياسة الحد الأدنى للأجور وهي في حد ذاتها بائسة، ولكن حتى هذه غير موجودة والحبل الاستغلالي على الغارب، وغياب القانون من الأسباب الكبيرة للفقر ولبيع الأجساد والنفوس، وهم بهذا بغياب هذا القانون وأمثاله لا يريدون أن يتحملوا شيئاً من التضحية البسيطة، وبقوانين الشركات العامة السائبة يريدون تدوير المال العام كيفما يريدون.
إن تجفيف منابع الفقر هو أهم جانب للقضاء على بيع الأجساد والنفوس، وإن كانت أغلبية النسوة متواضعات بسيطات يحتجن إلى ما يسد الرمق والحاجة، لكنهن يتحولن في سباق المال إلى ما يشبه الذئبات المصاصات الدماء، وتتاجر فيهن مؤسسات عالمية كبرى صارت لها علاقات سياسية وإجرامية خارج نطاق العلانية والشفافية، ومن يرد الحد من المتاجرة في النساء والأطفال فعليه أن يقاوم تلك العلاقات الدولية، والشبكات الاجرامية، وتلك السياسات بين الدول المسيطرة على السكان والسفر والإقامات والفنادق والجوازات والتأشيرات، وليس أن يظهرَ عنترياته على النساء الفقيرات المبيعات في كل مكان.
لا يفيد الوعظ الأخلاقي، بل يفيد تكوين اللجان الباحثة عن المعلومات والمؤسسة للتشريعات الاجتماعية الحامية للفقراء والعمال وللمهاجرين والمهاجرات من أمم الأرض التي تتعيش، وتـُحذف من قارة إلى قارة، وهي في مِزق ملابسها، وبؤس عظامها، وسوء تغذيتها، وقد قادها التجارُ والمرابون و”الحرامية” إلى شتى بقاع الأرض ليقتنصوا هذه الفراخ ذات الزغب ويملأوا جيوبهم من الأرباح على حسابها.
ملايين من البنات والأطفال يُباعون لشبكات المافيا، فتياتٌ للبيع في الهند والصين، جوازاتٌ مزورة، شركاتٌ متخصصة في الرقيق الأبيض، وأجهزة حكومية مثل شبكات العنكبوت تستدرجُ وتتعاونُ وتـُدخل وتـُخرج، والمافياتُ متغلغلة في كل تضاريس الأرض، تتمكيج بأقنعة في المطارات، تلبسُ بِذَلا أنيقة، ولديها آلاتٌ طابعة لكل أشكال التحوير والتزوير، فتغير كلَ شيء، وتتصل بكل مكان، وتعرف العناوين بشكل سحري، وتعرف الأرقام السرية والعلنية، تتصل بك وأنت في فراشك نائماً أو صاحياً، قدراتٌ هائلة لـ”حرامية” الجنس والمخدرات والرقيق الحديث استعانوا بالأقمار الصناعية والأقمار البشرية.
لديهم إمكانياتٌ خارقة، رجالٌ في الأزقة المعدمة وأصدقاء في الوزارات والبلاطات، لديهم عيونٌ خارقة لمدارس البنات والأطفال، تعهداتٌ ومعاهدات خاصة مع شركات الطيران، لديهم حرسهم الخاص القوي في كل مكان تطؤه أقدام وأجساد هؤلاء الفقيرات المعدمات، ومخابرات سرية تتبع توظيفاتهن وأرباحهن وعلاقاتهن، يضعونهن في شقق مثل عشش الدجاج، أو علب السجون، عشر أو خمس عشرة فتاة في شقة، متلاصقات، ينمن في النهار ويشتغلن في الليل، يأكلن أي شيء حتى الورق، ويجمعن النقود بكل وسيلة، أجسادهن عرائسٌ بلاستيكية، مطاط للبيع والاستئجار والتسفير والسجن والعرض في الفاترينات اللامعة المشعة، المسئولون المراقبون لمثل هذا الإنتاج يتمتعون بأيامهم وبأفضل المأكولات، لهم عضلات بارزة، وأجساد هائلة كمصارعين متخصصين في التكوندو.
إنهن يقدرن على الاشتغال طوال النهار، ويتحملن الدخان والتلوث، ويستطعن العيش في أحقر الفنادق والزرائب، يبحثن عن المال وينتزعنه، يتحولن في بضع سنين إلى شجيرات يابسة شوكية، تأخذ أغلبهن ما يسد الرمق وللعودة إلى البلدان البائسة، يعدلن بيوتاً منهارة، وعائلات مشردة، ويطعمن عيالاً.
إن عدم وجود أجور محددة لهن، وعدم مراعاة قوانين العمل لهن، وعدم التدقيق في المطارات والمراكز، يخلق مثل هذه الأمور وهي ظروف تتحملها الوزارات وليست الفنادق والشركات.
كما أن هذه العلاقات موجودة في كل مكان، ولا يوجد شعب يخلو منها، وإن كان بشكل مستتر، وغامض، ولكن الفقر والاستغلال حوّلا الكثير من الفقراء والفقيرات لسكك الحرام.
ومن يبعْ جسدَهُ يظل أهون ممن يبيع نفسه وضميره وأرضه ودينه من أجل النقود.

صحيفة اخبار الخليج
24 ابريل 2009