المنشور

الحكومة ليست سنية والمعارضة ليست شيعية


لم أكن أود، وأنا رجل علماني، أن يأتي اليوم الذي أضطر فيه لطرح موضوع من الموضوعات بالطريقة التي ربما يُساء فهمها من العنوان الذي اخترته لمقالي اليوم، لولا أن سطوة الواقع أقوى من الأمنيات والآمال.

على كل حال، فكرة هذا العنوان خطرت في ذهني من واقع مناقشات صحافية كنت طرفاً فيها خلال الأيام القليلة الماضية بعد العفو الملكي الكريم عن المعتقلين والموقوفين والسجناء في القضايا التي جرى التعارف على وصفها بالقضايا الأمنية، وعلى صلة بموضوع الحوار الوطني الذي أصبح حديث الساحة وبدون منازع.

ويسرنا، بطبيعة الحال، ونحن نمثل القوة السياسية التي تقدمت بمبادرة شاملة متوازنة للحوار الوطني، أن تكون موضوعة الحوار بالذات هي الغالبة في سجالنا السياسي والإعلامي بعد مبادرة جلالة الملك المقدرة عالياً منا ومن الجميع.

مبادرة جلالة الملك ليست جديدة ولا غريبة على جلالته، فقد اعتدنا منه مثل هذا التدخل في لحظات الاحتقان الأمني والسياسي، بما ينزع فتيل مُسبب رئيسي من مسببات هذا الاحتقان، وجاءت هذه المبادرة الملكية على خلفية”حوار” بين جلالته وبين كبار رجال الدين الشيعة.
وجرى حديث أيضاً عن أن شكلاً من التفاهم أو حتى من الحوار، أو لنطلق عليه ما شئنا من المسميات، بين جهاز الأمن الوطني وبين بعض الشخصيات التي كانت رهن التوقيف فترة وجودها في المعتقل.

وكل صيغة من صيغ التواصل والتفاهم والحوار مطلوبة، لكي لا يكون البديل القطيعة، التي حين يمتد أمدها تتراكم على شكل طبقات من عدم الثقة وسوء الفهم، مما ينجم عنه السلبي من النتائج.

ولكن الذي ندعو إليه، نحن في المنبر التقدمي ومعنا قوى وتنظيمات سياسية ومؤسسات المجتمع المدني وشخصيات وطنية مستقلة ورجال دين متنورين مثل الأخ الكريم الشيخ صلاح الجودر وغيره، هو الحوار الوطني الشامل، الذي  يشترك فيه ممثلو كل الفعاليات السياسية والمجتمعية والدينية في هذا الوطن، وبطبيعة الحال الدولة ذاتها فيمن تراه مخولاً في هذا الحوار.

مثل هذا النوع من الحوار الوطني الشامل هو الذي يحقق المظلة الجامعة لمكونات الوطن كله، بصرف النظر عن المذهب والتحدر الطائفي أو العرقي أو الانتماء السياسي والحزبي، وتطرح فيه قضايا الوطن المشتركة التي تعني الجميع، ويغدو ما يطالب به ممثل هذه أو تلك من التكوينات المجتمعية جزء من خريطة أشمل.

لسنا ضد أي شكل من أشكال التواصل بين الدولة وبين ممثلي أي فئة أو طائفة، وهو تواصل قائم وسيستمر، لكننا لا نرغب في أن يختزل موضوع الحوار في تفاهمات بين الدولة وبين من تراهم ممثلين لهذه الطائفة أو تلك، مع بالغ تقديرنا واحترامنا للجميع ولمكانتهم الدينية والمجتمعية.

لا نريد للدولة أن تتصرف على أنها سنية، لأن لكل مكونات المجتمع حق في هذه الدولة، ويطالبونها بأن تكون ممثلة لهم جميعاً، والمعارضة في البحرين ليست شيعية، ويخطئ بعض قادة المعارضة إذا تصرفوا على هذا الأساس، لأنهم ينزعون عن مطالباتهم الطابع الوطني، ويحولونها إلى مظالم للطائفة، وفي هذا مقتل لأي معارضة جدية.


  للحديث تتمة.