المنشور

الحرب على الفقر بدلاً من الإرهاب

أخذت تتصدع أيديولوجية الحرب على الارهاب، التي تحولت إلى هذه الأدلجة الصارمة الساحقة، عالمياً، بسبب أن القيادة في الولايات المتحدة كانت لديها سياسة يمينية مفصولة عن القوى الشعبية في العالم، وحيث يتم تصدير رؤوس الأموال والأسلحة والبضائع من دون اهتمام للتنميات في الدول الأخرى.

إن تصدع هذه السياسة أو وصولها لأزمة ليس من خطأ الهجوم على القوى الدكتاتورية العنفية في العالم، بل من عدم فهم هذه التيارات العنيفة التي تجتاح بعض المناطق المأزومة في بعض المناطق والتي وصلت إلى حد الاختناق، وبطبيعة الحال لم تخل تلك المناطق المأزومة والدوائر الحاكمة المناهضة لهذه الجماعات كلتاهما، من توظيف لهذه السياسة لمصلحتيهما. 
 
في الدوائر الحاكمة الأمريكية هناك الفصل التعسفي لفهم نشوء وتنامي الجماعات الارهابية من خلال شبكات تقليدية دينية وقومية عن جذور الأديان والقوميات الحضارية، فثمة نظرة متدنية تصور تلك الأديان والقوميات بأنها عش صنع العنف والارهاب، فتجرى عمليات تعميم، وعدم فهم، وتوسيع القوى المؤيدة للعنف، ويتحول العنف المضاد إلى الوسيلة الوحيدة الرئيسية للقضاء على الارهاب، وتنفصل المناطق والبلدان الإسلامية عن بعضها بعضا، ويتم التركيز في جماعات معلقة في الهواء، مفصولة عن جذورها ودينها وأممها.

على مستوى الأرض العسكرية التي تجرى فيها الضربات والملاحقة تـُشكل هياكل سياسية من جماعات مستفيدة، نائية عن الجماهير الفقيرة. وعلينا أن نرى نموذجاً محدداً في ذلك وهو التجربة في افغانستان. فما هو الوضع الحقيقي؟ وكيف جرت الحرب ضد الارهاب هناك؟
إن البنية الاقتصادية في افغانستان انهارت حسب معلومات الأمم المتحدة:

(على مدى مئات السنين كانت شبكات القنوات تأتي بالمياه الى الحقول والبساتين وهو ما كان يؤدي الى انتاج محاصيل مربحة غير أن نظام الري قد انهار على مدى سنوات من الصراع).
(هنالك الآن نقص حادّ في الغذاء، و انتشار كبير لزراعة الحشيش والأفيون في ظل الوجود الأجنبي، ولم تعمل قوات التحالف على دعم المزارعين والفقراء، فبلغت المصاريف العسكرية للتحالف 900% من المصاريف التنموية في هذا البلد).

(وبعد ضغوط دولية متصاعدة للتعامل مع مشكلة المخدرات بدأت جهود إزالة الصناعة التي تدر نحو 8،2 مليار دولار سنويا لاتاحة الوقت أمام المزارعين لاعادة زرع حقولهم بمحاصيل غير محظورة. ويقول خبراء إن فرق الإزالة تقوم بحرث حقول الخشخاش غير أن قسما ضئيلا فقط من تلك الحقول لا يتجاوز في أغلبه 10 في المائة في أنحاء البلاد هو ما يمكن تدميره).

إن الحرب على الأفيون لم تحقق شيئاً في الواقع، فجماعة طالبان تستفيد ملياراً من هذه الزراعة بدعم المزارعين، والمليار الآخر والنصف كذلك تستفيد منها القوى المؤيدة للحكومة أو المزارعون المستقلون.
(وأكد كيي آييد، المبعوث الخاص للأمم المتحدة ورئيس بعثة المساعدات التابعة لهذه المنظمة العالمية في أفغانستان أن الاهتمام قد تركز أساساً في انتشار “التمرد” وارتفاع عدد الهجمات الانتحارية، فيما أحيلت مخاطر الجفاف والعجز الغذائي إلى مرتبة ثانوية).
(وذكر أيضاً أن نحو 2،1 مليون طفل تحت سن الخمس السنوات، و 000،550 حامل وأم مرضع في 22 محافظة أفغانية، يعانون “خطرا كبيرا في سوء التغذية”، الملتقى الإعلامي العربي).

وصرح مارفين بارفيز المسئول بهيئة “خدمة الكنيسة العالمية” الناشطة في توفير المعونات الإنسانية، أن: “موجة الجفاف تهدد حياة الملايين من الأفغان”.
هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تهيئ الشباب الأفغان للالتحاق بحركة التمرد والعنف، فالحكومة غير قادرة على توفير الأعمال، وطالبان تزرع المخدرات وتملك الملايين وتأتي إليها مساعدات مالية كبيرة لشراء دم الفقراء.

(قال شاب في الخامسة والعشرين من عمره أطلقنا عليه في هذا التقرير اسم شاكر لأنه رفض الإدلاء باسمه الحقيقي مخافة التعرض للانتقام انه ندم لرفضه عرض عمل من أحد عملاء طالبان كان سيتقاضى بموجبه 500 أفغاني (حوالي 10 دولارات) يومياً مقابل شن هجمات على مكاتب حكومية في إقليم فرح، جنوب غرب أفغانستان).

(من جهته، قال لطف الله، 23 عاماً، من إقليم هيلمند ان “طالبان تدفع ما بين 500 و000،1 أفغاني (10 – 20 دولارا) يومياً مقابل تنفيذ عمليات ضد الحكومة والقوات الأمريكية”، في الوقت الذي لا يحصل فيه الموظفون الحكوميون سوى على أقل من دولارين اثنين في اليوم الواحد)، (شبكة الأنباء الإنسانية، إيرين).
(ويرى الخبراء أن المتمردين يستغلون انتشار الفقر والبطالة وضعف الحكم وأن معظم الشباب الذين ينضمون إلى طالبان وينفذون عمليات انتحارية هم من “الفقراء، وغير المتعلمين الذين يسهل التأثير عليهم”، وفقاً لدراسة أجرتها الأمم المتحدة عام 2007 حول طبيعة الهجمات الانتحارية في أفغانستان).

يتقدم الرئيس أوباما بعض الخطوات في فهم المشكلة من دون تغيير جذري.

(قال اوباما ان الجيش الامريكي في أفغانستان سيحول تركيزه الى تدريب وزيادة عدد الجيش الافغاني كي يمكنه تولي القيادة في تأمين البلاد والسماح للقوات الامريكية بالعودة لوطنها.
وانتقد بعض السياسيين القوات الاضافية الواردة في الاستراتيجية وقالوا ان الجهود العسكرية تنال أهمية أكبر من توفير اغاثة انسانية كافية لمعالجة الفقر في أفغانستان).

إن مشاركة الدول المجاورة في حل المشكلة، والفصل بين المتطرفين والمعتدلين من طالبان، هي خطواتٌ سياسية فوقية، فمسائل الازدهار الاقتصادي للبلد، تعتمد على رفع حياة الفقراء الأغلبية الشعبية التي انهارت حياتها المعيشية، أما تقوية الأمن وزيادة أعداد الجيوش والجيش الوطني، فتؤدي للمزيد من الأعباء المالية، ومن دون إيجاد مؤسسات اقتصادية واسعة الانتشار وتوزيع أراض على المعدمين وإعادة أوضاع الزراعة لما كانت عليه، تغدو الحلقة المفرغة مستمرة.

وعلى الدول العربية والإسلامية وخاصة القريبة أهمية كبيرة بمد المعونات وبناء المؤسسات الاقتصادية مع الاتفاق على جلاء القوات الغربية وتشكيل حكومة وطنية فيها، فعملية انهيار افغانستان ستكون لها انعكاسات خطرة على أوضاع الدول المجاورة وخاصة الإسلامية.

إن تشكيل التطور في الأمم الإسلامية مترابط، وأي حلقة تتحطم سوف تؤثر في باقي المنظومة.


20 ابريل 2009