المنشور

رايحين للحج … والناس راجعة


 
 
كلما يأتي الحديث عن جمعية الصحافيين، وخاصة هذه الأيام، حيث انعقد المؤتمر العام لانتخابات رئاسية وإدارية جديدة، نسترجع المواجع، وتُستفز ذاكرتنا بالأسئلة والبدايات الخاطئة التي أصبحت بعد عقدٍ تقريباً ‘أمراً واقعاً، وتحصيل حاصل’ ربما لا يقبل التصحيح أو المراجعة الموضوعية التي تهم الجسد الصحافي: من الدفاع عن الحقوق المهنية والأدبية للصحافيين إلى تقويم المسار النقابي ووضعه على السكة، ليعبر بنا نحو الوصول لقناعة حقيقية تنفض الغبار عن المثالب القاتلة التي جزّأت المجزّأ في الجسم الصحافي، ووصلت بنا بـ’مواصيل’ ضياع الهوية الصحافية وتفريغ مضامين مصالحنا وحقوقنا من محتواها .. وهكذا، فقبل أن نصحح الخطأين الأساسيين اللذين يتعارضان مع العمل النقابي المتعارف عليه: وهما (الجمع بين عضوية أرباب العمل والعاملين في جمعية واحدة، واستمر كذلك توسيع مفاهيم ومقاييس العضوية التي اختلط فيها الحابل بالنابل إلى أعلى مستوياته) وكأن شيئاً خاطئاً لم يكن، زاد الطين بلة تكريس هذين الخطأين بانخراط بعض الممانعين بعضوية الجمعية، في إطار ما أطلق عليه بـ’نظام المحاصصة بين الصحف المتنافسة’، وهذا يعني من فرط ما يعني مصادقة سلسلة وبأريحية على الخلل السابق الذي قامت عليه جمعية الصحافيين بإكراه الصحافيين.

كنا منذ البداية نطمح في تأسيس جمعية أو نقابة للصحافيين ‘خالية من الدهون المتحولة’، تماماً كما يُروّج في إعلانات التلفزيون لـ’الزيوت الصحية النقية’، وكان بعضنا يردد عبارة أطلقها الصحافي والباحث الحقوقي الأردني يحيى شقير تشير إلى إنه ‘على الصحافة ألاّ تنام مع الحكومات في فراش واحد’، حيث الغرض من ذلك تحريرها من التدخلات والدفع بها نحو الاستقلالية الحقيقية، غير أن هذا البعض: وا … حسرتاه، أصبح كطائر الفينيق دائم التحليق في السماء يبحث عن المجهول!!.

وكادت الأمور أن تكون طبيعية، غير أن بعض المقاتلين الصحافيين انتفضوا بحثاً عن مخرج ليس الغرض منه التحرك ضد زملاء لنا في المهنة، بل تقويم هذا التضارب في المصالح الذي لا يمكن معه الحديث عن إمكانية للدفاع عن الحقوق المهنية والأدبية للصحافيين، حتى لو كان هذا الشخص ‘انجلزي الهوى’، أيجوز أن يكون القاضي والخصم والحكم في موقع واحد؟!.

تساءل المنتفضون في رسالة مفتوحة إلى الصحافيين آنذاك ‘لماذا نريد إنشاء نقابة مستقلة للصحافيين؟’ وكان اعتراضهم على المسألتين سابقتي الذكر ‘الجمع بين رب العمل والعامل في جمعية واحدة، ما اعتبروه إنه تم على أساس خاطئ’، وثاني هذه الأخطاء، هو ‘توسيع مفهوم ومقاييس العضوية’ إلى الحد الذي ضاعت فيه هوية الصحافي الحقيقية، بحيث ‘فتح النظام الأساسي للجمعية الباب واسعاً أمام من يمارسون مهن قريبة من الصحافة، لكن ليس على أساس التخصص، أو الاحتراف لكي يكونوا أعضاء بالجمعية’.

وتشير الرسالة المفتوحة إلى الصحافيين البحرينيين إلى إنه ‘أصبح العاملون بشكل جزئي أعضاء في الجمعية على قدم المساواة مع العاملين المتفرغين للمهنة الذين تمثل الصحافة بالنسبة لهم مورد رزقهم الوحيد، وتم توسيع مفهوم العضوية ليصبح موظفي العلاقات العامة في القطاع العام والخاص أعضاء في الجمعية، موظفون إداريون من جهات إعلامية أعضاء أيضاً في الجمعية. وموظفون فنيون في القطاع العام أيضاً أعضاء في الجمعية. إن هذا الخلط الواسع في مقاييس العضوية ينعكس سلباً على الصحافيين أصحاب الحق في الجمعية التي تحمل اسمهم، لأن هويتهم كصحافيين أصبحت ضائعة’.[1]

بعد كل هذا، تخرج علينا أصوات تطالب جميع الصحافيين بالعمل من داخل الجمعية لتغيير النظام الأساسي، ولا شك إن هذه الأصوات تحمل من الوجاهة الكثير، لكنها للأسف من حيث لا تدري، تطالبنا في آن، ووفق هذه المقاييس للعضوية والخلل القائم المصادقة على هذا الخلل، الذي خربناه منذ بدايات التأسيس إلى يومنا هذا، لم تدافع هذه الجمعية عن صحافي قط، لأنها ببساطة لم تعالج هذه الأخطاء، ويتعذر في الوقت نفسه تأمين الثلثين بهذا الخليط من الأعضاء للجمعية العمومية لتغيير المواد المختلف عليها في قانون الجمعية، وإن تحولت إلى نقابة بهذه المقاييس، ولكم يا معشر الصحافيين أن تقتنعوا بالبديل الذي يدافع عن حقوقكم المهنية والأدبية .. وأيضاً مصالحكم، هذا … أو استسلموا للسائد، أما الذين سيظلون يحاربون طواحين الهواء، كما في رواية ميجيل دو سربانتس المعروفة بـ «دون كيشوت» ‘، فلا يحدوهم إلا الأمل في التغيير نحو الأفضل.

[1] رسالة مفتوحة للصحافيين في مملكة البحرين ـ نقابة الصحافيين (تحت التأسيس)
 
الوقت 19 ابريل  2009