المنشور

أخطاء الحرب على الإرهاب


لا يعرف المسئولون الغربيون وهم يشنون الحرب على الإرهاب أوليات المجتمعات الإسلامية ومشكلاتها العميقة وطابع فرقها الدينية ومذاهبها وعلاقة ذلك كله بالإقطاع المسيطر بشكل كبير على الأرياف والبوادي الإسلامية خاصة.
في كتابه (نهاية العراق؛ من ترجمة الدار العربية للعلوم)، يقول المؤلف والسفير السابق (بيتر و.غلبريث) إن الرئيس جورج بوش لم يكن يعرف تكوينات العراق الطائفية، فلم يفهم مصطلحات مثل (الشيعة) و(السنة) قبيل شن الحرب على النظام السابق.
ما يسمى بالحرب على الإرهاب يتجه في سبل خاطئة وهو يتمثل في كسب بعض القادة الدينيين وضرب آخرين، ولا شيء آخر ذو أهمية. 
 
الإستراتجية بهذا الشكل هي دوران في فراغ، ومنتجة من خلال وعي تقني مؤدلج ومسطح، وهو وعي يقدمه حتى أساتذة الجامعات الغربية للمسئولين وما يسمى خبراء (الإسلام) والشرق، وهي آراء نتجت عن تعميم رؤية المسلمين ككيان موحد مجرد، لا فرق بين المتاجرين بالإسلام من إقطاعيين وزعماء قبائل وشيوخ متلاعبين بالأموال والحلال والحرام وقادة فرق مهووسين بالزعامة وتحطيم الغرب الكافر، وبين الفلاحين والرعاة والفقراء المعبئين تحت شعاراتهم.

وتؤدي الضربات العسكرية وهدر الأموال على زعماء القبائل والطوائف إلى المزيد من إسالة الدماء وصعود زعماء جدد أكثر تطرفاً، فالزعماء السابقون الذين حصلوا على أموال وارتفعوا في السلك الطبقي، وغيروا فجأة آراءهم إلى (الاعتدال) لم يفعلوا شيئاً تحويلياً لجموع المسلمين المضروبة ككيان واحد، فقد وضعوا الأموال في جيوبهم، وأبعدوا أسرهم وشبابهم خاصة عن الجهاد، أو عن حرق بيوت الكفار، أو عن المشاركة في العمليات الإرهابية، من أجل أن يضمنوا حياة متفوقة لأسرهم وبيوتهم الخاصة، لترث الأملاك والسيطرة على المناطق(المحررة) أو على الأرياف والبوادي إن لم يكن على الدول.

أما من يقاتل ويموت ويضحي فهم الأغلبية الكاسحة من الفقراء، وخاصة شبابهم وأبناءهم، وهم الذين لا تتطور أوضاعهم قبل الحرب على الإرهاب أو بعدها، بل تتدهور حياتهم بذهاب المعيلين والرجال الذين كانوا يعملون وانخراط الشباب والفتية في الحروب وزيادة أعداد المعتقلين والهاربين والمعوقين والمرضى النفسيين في هذه المناطق المجنونة، وبالمطالبين بأخذ الثأر وهم الكثرة الغالبة، فيتنطع قادة جددٌ لم يحصلوا على امتيازات ولم يُنقلوا لمجالس الشورى والبرلمانات ولم يثروا، ولم يحصلوا على قطائع من الأرض وأسراب من النساء، للقيادةِ بنفسِ الشعارات الدينية والمتاجرة بالمصطلحات والرموز الإسلامية والوطنية، فإذا حصلوا عليها في صفقات جديدة، وجاء رئيس أمريكي جديد وطرح إستراتيجية جديدة ربما حصلوا فيها على غنائم من سبي الحروب السابقة ومن رشا جديدة، بدلوا مواقفهم ومالوا للاعتدال، هذا الاعتدال الذي يعني اعتدال الجيوب نحو المزيد من ثقل العملات الأجنبية.

لا دراية لهؤلاء بالإسلام وصلاحيته ولكنها شعارات مُسيسة تقصدُ المتاجرة بلحوم الفقراء للصعود السياسي، وإبقاء التخلف. إن إصرارهم على بقاء التخلف واضطهاد النساء ودوام الفقر والاستغلال والمتاجرة بالمذهبية، هو البرنامج المشترك لهؤلاء وهو الذي يجعل البوادي والأرياف الإسلامية ساحات لإنتاج قوى الإرهاب وصعود ملوك الطوائف والأقاليم وتفتيت الدول العربية والإسلامية وصعود قطاع الطرق والمجرمين للحكم.
تتعامل الإستراتيجية الغربية مع السطوح الخارجية للظواهر كما تتعامل مع سطوح القوى الاجتماعية المسيطرة، من دون دراسة للعلاقات الاجتماعية التحتية، ولا أوضاع الفلاحين والرعاة والفقراء وتغيير أحوالهم.

يسألون كيف يتم ضبط الأمن؟ كيف نوجد معتدلين دينيين؟ كيف نوجد موالين من بين المذهبيين وزعماء العشائر؟ لكن الأمن لا يستتب، والفوضى متصاعدة والمعتدلون يذوبون في غياب الإصلاح الحقيقي وفي شركات المدن، ويظهر زعماء جدد متعطشون للغنائم من لحم الناس وتحويل الصبية إلى مشعلين للحرائق وقتل السياح والاعتداء على الأملاك العامة.

لا تفكر قوى الإستراتجية الحربية السياسية الفوقية الغربية بالحوار مع أصحاب الأرض والمنتجين الحقيقيين، لا تفكر بتوزيع هذه الأراضي على هؤلاء العاملين الصابرين المنتجين للإرهابيين من دمهم وتضحياتهم ولزيادة فقرهم كذلك ومآسيهم، بل تتوجه لهؤلاء الرجال المتاجرين بالدين وأتباعهم من اللصوص الذين سيتمردون عليهم كذلك ليأخذوا أنصبتهم من هذه الميزانية المفتوحة للقوى الفوقية.

لا تتحول الإستراتيجية لتنتشل الفلاحين المعدمين فتجذرهم في أرضهم، وإلى الصيادين تعطيهم معونات وعلوماً للصيد والإنتاج، وتسحب المتسولين والصبية من التداول الناري إلى مدارس حرفية منتجة.

بل تمر المساعدات والأدوات الحربية على الزعماء وقادة الأقاليم ورجال العصابات فتنمو خيوط من الهيئات البيروقراطية و(النضالية) والسياسية المتعيشة على المعونات والحروب، فإذا توقفت الحروب خسروا، وإذا توقفت (الثورات) فتحوا جبهات جديدة، والموت على غيرهم، والأموال تأتي من دافعي الضرائب في الغرب الذين يقتطعونها من حليب أطفالهم ومن مدارسهم ومن قوت عمالهم.

قوى اليمين في الغرب والشرق تتلاقى في بعض جوانب هذا العطاء الدموي، فلا بد أن تستمر مصانع السلاح الغربية والروسية والإيرانية والإسرائيلية في الإنتاج، ويواصل الضباطُ الكبارُ وزعماءُ العصابات في الشرق حياة الرفاهية، وبعد ذلك لا يهم كم يتشرد اللاجئون، وكم يفتقر الفلاحون فهم سوف يقدمون بعض أطفالهم للنضال من أجل القضية المقدسة!


17 ابريل 2009