المنشور

إرادة الحكمــاء


الأمر الملكي الذي صدر مساء أمس بشأن الإفراج عن 178 من المحكوم عليهم والمتهمين في قضايا سياسية وأمنية يُعبّر عن إرادة حكيمة تستحق الشكر والتقدير، ولعل أفضل شكر لحكمة جلالة الملك يأتي عبر إرادة حكيمة من الذين لديهم نفوذ في الشارع المتحرك، على أن تتجه تلك الإرادة نحو ترشيد الخطاب السياسي وتوجيه أساليب التعبير عن الرأي بما يتلاءم ومواثيق حقوق الإنسان الدولية التي تؤكد ضرورة التعامل السلمي مع مختلف القضايا ومن جميع الاتجاهات.

قد نسمع الكثير عن الحكماء الذين استطاعوا عبر إرادة مشتركة أن يخلقوا ما تعتبره الإنسانية منجزات رائدة… وتكرر كثيراً الحديث عن بلد مثل سنغافورة التي اجتمعت إرادات قيادات الفئات المكونة لذلك المجتمع على بناء بلاد حديثة يشار إليها بالبنان، وهو أمر نستطيع تحقيقه في بحريننا الغالية.

إن الحكماء يفترض فيهم امتلاك حرية الإرادة، وامتلاك القدرة على إقناع الآخرين بالخيارات التي قد تبدو صعبة في بدايتها ولكنها تأتي بالخير للجميع. نعم هنا مطالب لا يمكن التنازل عنها لأنها من صميم حقوق المواطن الأساسية، ولكن هناك أيضاً وسائل سلمية وأساليب حضارية يجب أن نلتزم بها جميعاً.

لسنا بحاجة إلى إطلاق التصريحات التبجيلية في الإعلام الرسمي أو إطلاق التصريحات التهكمية في الإعلام غير الرسمي… فالمحك الحقيقي هو كيف ننجح في أن نمسك بأيدي بعضنا البعض لنتفق على كيفية خدمة وطننا ولنتفق أيضاً على احترام بعضنا الآخر فيما نختلف فيه، وذلك لأن الاختلاف في الآراء يبقى من طبيعة البشر، وما نخشاه ليس اختلاف العقول والآراء، وإنما اختلاف القلوب… إننا بحاجة إلى قلب واحد محب لوطننا الذي يهمنا أن ترتفع سمعته في الآفاق، ويهمنا أن نرى كل مواطن يمشي رافعاً رأسه رغم كل التحديات الحياتية.

نعم… إن أي شيء يبدو صعباً الآن يمكن تحقيقه من خلال إرادة الحكماء في بلادنا، ونحن نثق بحكمة جلالة الملك وبأن يقود سفينتنا الوطنية من خلال مشاركة الحكماء من كل الأطراف في الرأي والمشورة ومن خلال إزالة كل ما يبعث على الشك والتشاؤم.

إن الإخلاص للمبدأ والتفاني من أجل الأهداف السامية لرفع شأن البلاد وحماية حقوق العباد تتطلب الاستمرار في الاستماع لبعضنا البعض وتتطلب إبعاد الأساليب الانفعالية وعدم البكاء على اللبن المسكوب وضرورة التغلب على الألم، وأن ننظر إلى المستقبل بعيون منفتحة على آفاق أوسع… وكل هذا يتطلب أن تتماسك وتتواصل إرادة الحكماء.
 
الوسط 12 ابريل 2009