المنشور

الحكومة.. وتطوير التعاون مع روسيا (1-2)

تفعيل نتائج زيارة الملك

في اوائل ديسمبر الماضي وبمناسبة زيارة جلالة الملك لروسيا التي اجمع المراقبون على نعتها بـ «التاريخية« كتبنا في هذه الزاوية سلسلة مقالات، طويلة نسبيا، على سبع حلقات تناولنا فيها ما تنطوي عليه هذه الزيارة من أبعاد ودلالات سياسية وتاريخية واقتصادية وثقافية مهمة نحو تطوير وتعميق العلاقات بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات بما يعود بالنفع على شعبيهما. كما تناولت على نحو سريع في آخر تلك السلسلة ابرز النتائج المثمرة عن تلك الزيارة والتي كان من ضمنها توقيع مجموعة من مذكرات التفاهم للتعاون في مجالات عدة، منها المجال الاقتصادي، والتجاري، والمالي، والثقافي والاعلامي.
وكان ضمن ما بينته بما ينطوي عليه تعميق العلاقة بين مملكة البحرين وروسيا الاتحادية من مغزى كون هذه الدولة الثانية هي واحدة من اقوى واكبر الدول العظمى في العالم، بل كانت في حقبة النظام السوفييتي السابق بعد الحرب العالمية الثانية القوة العظمى الثانية التي تتقاسم مع الولايات المتحدة الهيمنة على النظام الدولي كما كانت تتنافس معها على مناطق النفوذ في مختلف قارات وبحار ومحيطات العالم ولاسيما الاستراتيجية منها. وبالتالي فإن العلاقة مع روسيا تكتسب اهميتها ايضا من ضرورة مبدأ تنويع العلاقات مع مختلف القوى والدول الكبرى الفاعلة سياسيا واقتصاديا على الساحة الدولية، وعدم جعلها محتكرة او وقفا على قوى عظمى او دول كبرى محدودة، فليس من مصلحة أي دول نامية، ولاسيما اذا ما كانت صغرى، كبلادنا، ان تجعل علاقاتها في عالم اليوم، عالم التكتلات والقوى الكبرى المتنافسة والمتصارعة بأشكال واسلحة جديدة غير اشكال واسلحة الحرب الباردة، ان تقتصر علاقاتها على وجهة معينة او مجموعة اقليمية محددة، بل ان تشمل جميع الدول ان امكن، بلا استثناء، صغيرها وكبيرها. وروسيا كما هو معلوم هي الدولة الكبرى القريبة من المنطقة العربية وتربطها بالعالم العربي علاقات ووشائج تاريخية تعمقت سياسيا مع عدد من الاقطار العربية ابان حقبة الحرب الباردة فيما كانت العلاقات فاترة او مقطوعة مع بقية الاقطار العربية الاخرى، وكان من ابرز هذه الدول التي كانت العلاقات مقطوعة معها او لم تقم بعد، دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت، وقد أقيمت تلك العلاقات او استؤنفت في الهزيع الاخير من حياة الاتحاد السوفييتي السابق ابان عهد آخر رئيس عرف بسياساته الخارجية الانفتاحية والمعتدلة مع مختلف دول العالم الا هو ميخائيل جورباتشوف. وبإقامة او استئناف العلاقات مع دول مجلس التعاون (كالعلاقات التي استؤنفت مع
السعودية حيث كانت توجد علاقات بين الدولتين ثم قطعت) شهدت العلاقات بين روسيا وهذه الدول مرحلة جديدة من التنامي عادت ومازالت تعود بالنفع الكبير على الطرفين الروسي والخليجي وذلك في مختلف أشكال التعاون المشترك. لكن من الواضح جيدا ان تطور العلاقات بين جميع الدول العربية الخليجية وبين روسيا لا يسير على المستوى الثنائي على وتيرة واحدة من التطور. هذا بالرغم من الآفاق الكبيرة المتاحة والواعدة لامكانيات تعميق وتمتين هذه العلاقات في مختلف المجالات بين موسكو وكل دولة من دول مجلس التعاون على حدة. ولربما تكون بلادنا في ذيل هذه الدول الست من حيث قوة وتيرة تطور علاقاتها مع روسيا قياسا ببقية شقيقاتها الدول الخليجية، وعلى الأخص الامارات التي تكاد تكون، إذا ما صدقت توقعاتنا، على رأس هذه القائمة فيما بلغته علاقتها مع روسيا الاتحادية من تنام وتطور في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والسياحية والثقافية والاعلامية ولربما بزت الامارات شقيقتها دولة الكويت في ذلك، إن لم يكن قد تفوقت عليها، بالرغم من ان هذه الأخيرة هي الاعرق تاريخيا بين دول مجلس التعاون في العلاقات التي تربطها مع روسيا منذ العهد السوفييتي. ومن نافلة القول ان تطوير وتعميق العلاقات بين أي بلدين صديقين لا يقتصر على الرغبة المبدئية وتوقيع الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون ومذكرات التفاهم، بل ينبغي السعي الحثيث من قبل كلا الجانبين لتفعيل تلك الرغبة المبدئية والارادة السياسية بالمتابعة الدؤوب والمتواصلة لتنفيذ ما اتفق عليه بين الجانبين واستشراف كل الآليات والوسائل الممكنة لتنفيذه وترجمته من نصوص المذكرات والاتفاقيات الى الواقع الملموس. وهذا بالضبط ما ينتظر لتطوير وتفعيل العلاقات بين البحرين وروسيا في مختلف المجالات وبخاصة في ضوء الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة من قبل الجانبين خلال الزيارة التاريخية الميمونة لجلالة الملك لموسكو في اوائل ديسمبر الماضي. ولعل التعاون في المجال الثقافي والاعلامي هو من اهم المجالات التي ينبغي تطوير وتفعيل اطر التعاون المشترك فيها بين البلدين الصديقين، ولاسيما أن المناخ الآن موات تماما لاحداث نقلة نوعية للتعاون الفعال والمثمر في هذا المجال، وذلك بعد تولي الشخصية الثقافية النسائية القديرة مي آل خليفة حقيبة وزارة الثقافة والاعلام والتي ينتظر منها دور كبير بجعل هذه الوزارة جديرة بالفعل بمسماها المزدوج الجديد: «الثقافة« و«الاعلام« بعد ما كانت تنعت وتعرف بهذا النعت الأخير فقط.

صحيفة اخبار الخليج
12 ابريل 2009