المنشور

الرؤية الاقتصادية


يسعنا أن نكتشف بلا عناء أهمية الحوار الذي جرى بالغرفة التجارية يوم الاثنين الماضي بين أصحاب الأعمال ومجلس التنمية الاقتصادية حول الرؤية الاقتصادية المستقبلية للبحرين 2030 ودور القطاع الخاص في تفعيلها.
الأهمية تكمن أولاً في أن مجريات الحوار الذي استمر قرابة ثلاث ساعات ونصف لم يخل من الصراحة والجرأة حيال موضوعات وقضايا ومشكلات جوهرية وحساسة تتصل إجمالاً بالإصلاح الاقتصادي, وبالمعوقات والإعاقات التي تقف حجر عثرة في ميادين مختلفة وتحول دون تهيئة الظروف والأجواء المناسبة التي تدفع بالرؤية الاقتصادية نحو مسارها الصحيح المحقق للغايات المستهدفة.

والأهمية من ناحية أخرى تنبع في أن أصحاب الأعمال هم الذين عرضوا رؤاهم حول متطلبات تحقيق الرؤية والتي نالت حيزاً مناسباً من المناقشة الصحية والبناءة, والتي انطلقت من كونهم المعنيين الذين يعّول عليهم في تنفيذ هذه الرؤية وبالجزء الأكبر المعتبر من محاورها والإستراتيجية التنفيذية المنبثقة عنها, وهم أيضاً المعنيون قبل غيرهم بالتأقلم معها ومع مقتضياتها وإفرازاتها, بنفس القدر الذي هم معنيون فيه مع الحكومة في إطار الشراكة التي أكدت عليها الرؤية بمواجهة بعض الأمراض التي تواجه الاقتصاد البحريني ويشكو منها القطاع الخاص بشكل عام, وباتت من همومه الأساسية, وقد تم تداولها في اللقاء تداولاً هادئاً وموضوعياً دونما «فذلكات» سعياً وراء المعالجات الواجب اعتمادها, والتي وردت ضمن مرتكزات الرؤية الاقتصادية, وكان من الواضح أن هناك كثرا من الذين ينتظرون الإسراع في البدء بهذه المعالجات وتطبيق الخطط والإجراءات الحاسمة للعراقيل الراهنة والأمراض المزمنة التي تواجه اقتصادنا.

حسن تصميم وصوابية الأولويات والمراحل للوصول إلى الهدف المنشود, التحديات التي تواجه الاقتصاد البحريني حاضراً ومستقبلاً, القدرات والإمكانات المتوافرة لدى البحرين لمواجهة هذه التحديات, حجم التمويل المطلوب لتنفيذ الرؤية ومصادر تمويلها, ومعدل النمو المطلوب لتنفيذها, ومعايير النجاح والفشل للرؤية, الإصلاح الإداري ورفع كفاءة الأجهزة الإدارية المتعبة والمثقلة, وتقليل التكلفة, ومحاسبة القطاع العام ودعم مفهوم الحكم الرشيد وسيادة القانون, والشفافية ومحاربة الفساد, وخلق عدالة وحيادية يتيحان للجميع الفرص المتكافئة, وضرورة أن تكون القرارات مؤسسية, وإصلاح النظام القضائي ورفع جاهزيته لضمان سرعة إصدار وتنفيذ الأحكام تعزيزاً للثقة في بيئة الاستثمار والأعمال, والحاجة إلى تغيير النموذج الاقتصادي الحالي وتحديد هوية البحرين الاقتصادية والخيارات الإستراتيجية للنمو الاقتصادي, وأهمية الانتقال من التنافسية عبر العمالة الوافدة الرخيصة إلى التنافسية من خلال قوى عاملة وطنية ذات مهارات وإنتاجية عالية تعزز وتخدم تنافسية الاقتصاد البحريني, وضرورة إرساء ثقافة العمل والإنتاج, والإشكاليات الناجمة عن عدم جاهزية إصلاحات نظم التعليم والتدريب لمواكبة إصلاح سوق العمل, وآليات رفع مستوى الوضع المعيشي للمواطن, وواجبات الدولة تجاه الطبقات الضعيفة, وضرورة وضع معايير لميزانية عامة مستقرة ومتوازنة, والحاجة إلى إعادة هندسة العمليات في المؤسسات الرسمية, وضرورة جذب الاستثمارات النوعية, وأهمية منع التداخل والاختصاصات فيما بين بعض الأجهزة الرسمية والمجالس البلدية وتدخلاتها المعيقة لنمو الاستثمارات, وأهمية خلق روحية شراكة جديدة بين القطاعين العام والخاص, وكيفية مواجهة الضغوط الكبيرة التي تواجه أو تمارس على الاقتصاد البحريني, حتى الحالة الطائفية التي نرزح تحت وطأتها لم تكن بمنأى عن الطرح حتى وأن جاء ذلك بشكل عابر من منظور علاقة الأمن والاستقرار بالتطور الاقتصادي وهي العلاقة التي تم التشديد عليها والتأكيد على لزوميتها. كل تلك العناوين المختزلة لقضايا كانت على بساط البحث في اللقاء, وإن كان هناك من اعتبر أن التحديات التي تواجه الوضع الاقتصادي الراهن يجب أن تكون دافعاً للعمل وليس لخيبة الأمل, فإن ثمة قناعة أيضاً بأن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي يرتبط بإجراء معاينة حقيقية للمشاكل التي نعاني منها, فإذا لم تأت المعاينة في مكانها الصحيح, فإن المعالجة لن تكون مجدية بل قد تكون قاتلة للمريض لأن حسن التشخيص هو الخطوة الأولى لبداية الشفاء.. 

 وطالما أن المعادلة القائمة عليها الرؤية الاقتصادية مبنية على الشراكة بين القطاعين العام والخاص, فإن القول الذي ينبغي التشديد عليه هو أنه ما لم تقم نهضة استثمارية نوعية للقطاع الخاص خالية من المنغصات, سنبقى نعاود الحوار تلو الحوار الذي تكمن المشكلة فيه أنه سيجعلنا في أبسط وأوجز تحليل عرضة للمفارقات في زمن يحول فيه الضباب دون رؤية المستقبل ويدعو إلى الكثير من التساؤلات.. ومهما حققت الدولة من إصلاحات فلا حل للوضع الاقتصادي والمعاناة الراهنة اذا لم تسر هذه الإصلاحات في مسارها الصحيح وتقم الدولة بإصلاحها.