المنشور

قانون النقابات المهنية متى سيرى النور…؟


في بدايات الانفتاح السياسي ومع تدشين المرحلة الديمقراطية والإصلاحية وبناء مؤسسات المجتمع المدني أي قبل ثمان سنوات أعتقد العديد من المراقبين أنه مع موجة إطلاق حرية العمل النقابي سيحظى القطاع المهني بالأولولية وسينال المهنيون لاحتلالهم مكانة اجتماعية بارزة ومستوى ثقافي متقدم بقانون متطور ينظم عملية تمثيلهم في ظل قانون النقابات المهنية خصوصاً أن العديد من تلك القطاعات المهنية كالمهندسين والأطباء والمحامين على وجه الخصوص كانوا تحت مظلة جمعياتهم المهنية في ظل غياب قانون النقابات المهنية وتلك الجمعيات برغم هبوط سقف حرياتها إلا أنها كانت متفاعلة ومتبلورة في مواقفها مع الحراك الاجتماعي وبل حتى السياسي فكان الكل يترقب حينها صدور قانون النقابات المهنية مع بدايات عهد الإصلاح وأن يسبق قانون النقابات العمالية إنما الواقع جاء بمدلولات أخرى ومعطيات ربما كانت أصدق حيث كانت الساحة العمالية ساخنة وتلح بالتعجيل بإصدار قانون النقابات العمالية فعاجلت السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة العمل بإصدار القانون العمالي لخلق وضع من الانسجام والاستقرار وتنظيم العلاقة بين طرفي الإنتاج ولا يوجد بطبيعة الحال وجه مقارنة بين القطاع العمالي من جانب والقطاع المهني من جانب آخر ليس من الناحية النضالية والمطلبية للطبقة العاملة فحسب بل حتى الوزن الاجتماعي والعددي إذا ما علمنا أنه حتى على مستوى الحراك النقابي الدولي فقد كانت ولا زالت النقابات العمالية أبعد بكثير وأعمق من النقابات المهنية حتى على مستوى المنظمات والمؤسسات الاتحادية الدولية.
 
إن تلك المؤشرات قد تُفسر سبب غياب قانون النقابات المهنية وعرقلته رغم مضي فترة زمنية طويلة من تدشين عهد الإصلاح ولا شك أن الحكومة مدركة أن هناك تقزيم للقطاع المهني وقد أسهمت في مضاعفة تقزيمه في الوقت الذي كانت تتوجس من مكانته المعنوية ووزن مرآته الاجتماعية المخملية إن جاز التعبير فالمهنيون لا يعانون من السخونة المطلبية في قطاعاتهم وغير متحمسين للعمل النقابي.
 
إنه على الرغم من كل تلك المعطيات والظواهر البارزة والملحوظة فإن مسودة قانون النقابات المهنية المطروح حالياً في مرمى السلطة التشريعية هو قانون رجعي ومتخلف عبرت القطاعات المهنية المختلفة عن رفضه وبخاصة جمعية المحامين، فالقانون المقترح انتزعت السلطة التنفيذية جوهر مضمونة من خلال إسقاط حق النقابة المهنية في إصدار تراخيص المهنة وبل تم التعدي على استقلالية النقابة المهنية في تشكيل إطارها ووضع نظامها الأساسي لتعطي سلطة القرار والضبط والربط لمجلس الوزراء والوزير المختص وهذا تجني سافر على حرية العمل النقابي ومُصادرة لحق القطاع المهني في تشكيل نقابته ذات الصفة الاعتبارية المستقلة.
 
فكما سلف وأشرنا أن السلطة بحكم توجسها من تلك القطاعات المهنية وبالذات منها من على صلة بالشأن الإداري والاجتماعي كالمحامين والمهندسين والأطباء فوجود نقابة مهنية قوية ومنظمة لا شك ستتداخل وستتضارب سلطاتها على صعيد المهنة مع السلطة التنفيذية خصوصاً فيما يتعلق بتراخيص المهنة وبل أخلاقياتها مما يعني في نهاية المطاف دخول النقابة المهنية في صدام ومواجهة مع الفساد الإداري المستشري في أروقة الجهاز الحكومي.
 
لذا نجد أن سطوة السلطة جاثمة على القانون وبنوده فلنا أن نتصور “نقابة سواق الأجرة” على سبيل المثال وهي نقابة مهنية صرِفة عندما تمتلك حق إصدار تراخيص المهنة….!!؟ وقد أشرنا لها هنا “بالصرِفة” لنطرح مفهوم النقابة المهنية والسجال حول تفسير هذا المفهوم والنظرة إليه من حيث أن هذا قطاع مهني حُر وممتهن المهنة ليس بأجير خصوصاً إذا ما كان لا يمارس مهنته عبر شركة أو مؤسسة والصيادين أيضاً ينطبق عليهم هذا المعيار.
 
فالجدير بالذكر أن هناك لدى الكثير تداخل وتمازج وخلط في مفهوم النقابة المهنية، فالنقابة المهنية متشابكة ومتشبعة وهناك العديد من القطاعات المهنية التي لا بد أن تنصهر في النقابات العمالية الأوسع والأشمل طالما هذا المهني أو ذاك لا يمارس مهنته بشكل مستقل وحُر بل هو أجير في قطاع معين وللتدليل على ذلك لنا أخذ مثال المهندس بوزارة الإسكان فهو موظف أجير إذاً سيكون انتمائه مثلاً لنقابة عمال وموظفي وزارة الإسكان أكثر واقعية من انتسابه لنقابة المهندسين المهنية والتي ربما تقتصر بشكل أو بآخر على المكاتب الاستشارية المستقلة…. وإلا ما هو التفسير المنطقي لاضمحلال النقابات الحرفية وهي بمثابة أعرق النقابات في المسار التاريخي للحركة النقابية.
 
على أية حال هذه المجهرية في تمحيص معيار وأسس تصنيف النقابات المهنية لا يلغى من أهميتها ومكانتها ودورها في تعزيز الحركة النقابية وبل أتساع تجذيرها فالنقابات المهنية ستظل قوة دافعة للحركة النقابية بشكل عام وقانون النقابات المهنية إذا ما وُلد قاصراً ومُجذب الحقوق ومفتقر للأعراف والاتفاقيات الدولية سينعكس ذلك بصورة سلبية على واقع الحركة النقابية واستقلاليتها وديمقراطيتها في الوقت الذي الكل يأمل أن تكون الحركة النقابية المهنية رديفاً وعضداً للحركة النقابية العمالية وتسهم في تعزيز مكانة ورقعة مؤسسات المجتمع المدني.
 
نشرة التقدمي مارس