المنشور

الديمقراطيون الليبراليون المدنيون.. هل وصلتم إلى الناس؟


هذا هو السؤال المسكوت عنه والمضمر في قصبة هذه التيارات.. منهم من يهرب عنه ويتهرب منه ومنهم من يحاول الوصول الى الناس على عربة غيره أو جناح غيره, دون أن يتعلم أبجدية وحرفية الوصول الذاتي, معرضاً تياره وحزبه وجمعيته للمكر وتداعياته المؤلمة والجسيمة, ومنهم من يبرر ولا يعلل, ومنهم من يحمل سلم الوصول بالعرض فتضيق به المساحة والساحة فيتعثر ولا يتعطل لعدم حسم قراره وخياره. وسؤال الوصول الى الناس سؤال طرح نفسه منذ ثمانية أعوام خلت وانقضت, لكن تياراً أو جمعية من الديمقراطيين أو الليبراليين أو المدنيين لم تطرح برنامجاً دقيقاً وواضحاً للوصول الى القطاع العريض من الناس في القرية كما المدينة وفي الفريج كما في المحافظة, وظلت المسألة تراوح في مكانها والدليل أن هذه الجمعيات بدأت وتأسست بعدد معروف وانتهت الآن بعدد أقل, هذا, دون أن نحسب العدد المحدود الفاعل والناشط وهي مؤشرات سلبية تلح على الجماعات والجمعيات لضرورة طرح سؤال الوصول الى الناس. 

 الوصول إلى الناس ليس تنظيراً في ندوة أو محاضرة, ولكنه سباحة عملية وانغماس في واقع الناس وملامسة حاجياتهم وشواغلهم وهمومهم اليومية ومحاولة المساهمة في التخفيف عملياً.

إجابة السؤال عملياً ومن خلال برنامج عملي صعب ومحفوف بكل المعوقات, لكن لا مفر من قبول التحدي إن أردتم وصولاً حقيقياً فاعلاً إلى الناس, فلن تكون الناس معكم قبل أن تكونوا معها هناك, حيث تتواجد وحيث تعاني وحيث تحتاج الى مشاريع اجتماعية عملية «فصول تقوية + تطبيب + استشارات.. الخ». وأنتم تملكون الكوادر لو توافقتم وتوحدت جهودكم في برنامج واحد مشترك عنوانه الوصول الى الناس من خلال تلك المشاريع العملية.

ليس مطلوباً منكم هناك وبين الناس خطابات سياسية نظرية, المطلوب منكم العمل الاجتماعي في أنقى صوره ومعانيه العملية التي تخدم هذه الفئات بوصفها أوسع القواعد الشعبية التي تفتقدونها, والوصول إليها لا يكون عبر عربة الآخر بل من خلال عربتكم اذا ما وضعتموها على السكة العملية الخدماتية الاجتماعية الصحيحة.

وكما تحتاجون الناس فالناس تحتاجكم ولن تصلوها مهما بذلتم من تنازلات على مركب آخر غير مركبكم.. العملية ليست سهلة وليست نزهة أو بروباغندا إعلامية, ولكنها من اكبر التحديات الشاخصة وبدون الوصول الذاتي الى الناس لن تصلونهم, هذه حقيقة الحقائق التي لن ينفع الهروب والتهرب منها بالتبريرات أو بالتبعية.. وسؤال الوصول الذاتي الى الناس وبالجهود الذاتية لكم, فعّلوه الآن عبر برامجكم المجتمعية لا برامج الآخر وما عدا ذلك عبث يا جماعة الخير. وليس نظرياً عنها.. بفتح مراكز للتعليم للتطبيب لتقديم الاستشارات القانونية المجانية ولغيرها من مناشط وأعمال اجتماعية تدخل الى الناس في بيوتهم وفرجانهم وتقدم عملاً ملموساً لا خطابات مرسلة من الكلام دون الفعل.

كم من طبيب وكم من استشاري وكم من جراح في هذه الجمعيات مجتمعة وكم من محام واستشاري قانوني وكم من محامية في هذه التيارات وكم من متخصص في العلوم المختلفة ينضوون في عضوية هذه الجمعيات كلها.. هل وضعت وهل توافقت واتفقت هذه الجمعيات على القيام بمبادرات عملية مبرمجة لتقديم خدمات طبية من فحوص ومن علاج أو استشارات قانونية أو تعليم مجاني لطلبة وطالبات الفرجان والقرى وبعض المدن؟

ما تابعناه مناشط موسمية نادرة لا تستغرق أكثر من يوم أو يومين وتنتهي كما ابتدأت, فليس هناك أجندة وبرنامج طويل يستطيع مغالبة الصعاب والمعوقات وبطول النفس وبالاستعداد للتضحية أن يصل الى الناس وأن يترك بصمة في وجدانهم عملياً وفعلياً ممارسة وسلوكاً.
لا نحتاج للدخول في متاهات مناقشة حول الإمكانيات المادية والظروف المعنوية فهي معروفة ولا نختلف عليها وقد نضيف إليها لكن هذا هو الواقع والتحدي, كيف نتغلب عليه وكيف تصلون إلى الناس في مواقعهم ومن خلال الخدمات لا الكلمات.


الأيام 8 مارس 2009