المنشور

البحرين وتقرير جامعة «جورج تاون»


التقرير الأخير الذي نشره مركز الدراسات الدولية والإقليمية التابع لجامعة «جورج تاون» الأمريكية, حول الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البحرين, وهي تحتفل بالذكرى الثامنة للتصديق الشعبي على ميثاق العمل الوطني, ومرور 10 سنوات على تولي جلالة الملك مقاليد الحكم في البلاد, أعتقد انه يعد تلخيصا مكثفا ومدخلا لتشخيص حالة وأوضاع البحرين, ونوعية وحجم التحديات التي تواجهها في الوقت الراهن, حيث حمل العنوان الآتي «إصلاح المملكة.. التطور السياسي والتحديات الاجتماعية والاقتصادية في البحرين». 

 أكد التقرير بأن البحرين قد دخلت تحت قيادة ملك البلاد, ما أسماه بحقبة من التقدمية والليبرالية لم يسبق لها أن عاشتها من قبل, مستعرضا بذلك مختلف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, ومؤشرا على ما اسماه بتقدمية الإصلاحات التي تمثلت بمجموعة الإجراءات التي اتخذت طريقها إلى التفعيل على الأرض, ومنها إعادة الهيكلة البرلمانية والتشريعية, بالإضافة إلى إحداث مجموعة تغييرات مميزة داخل المجتمع البحريني على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

التقرير الذي كتبه «ستيفن رايت», الأستاذ المتخصص في الشؤون السياسية بمنطقة الخليج بجامعة قطر, أوضح أن الاعتراف بأهمية إحداث تلك التغييرات السياسية والاقتصادية التي كانت تعد بعيدة المنال, قد ساهم في الإقدام على تنفيذ تلك الإصلاحات بغرض التصدي لخطر العودة مجددا لمرحلة أعمال الشغب التي حدثت مع نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي. 

 أوضح التقرير أن الحاجة تفرض الدعم لبرنامج النمو الاقتصادي والاجتماعي, حيث إن ما أسماه بالحقائق الاجتماعية والاقتصادية, تبقى كفيلة بزيادة الهوة بين مختلف الشرائح والفئات, وبالتالي تصبح عامل وقوة دفع كامنة إلى عدم الاستقرار.

وفي موضع آخر من التقرير نرى وجها آخر للمقارنة, يساعد على فهم ومحاكاة الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بموضوعية أكبر, حيث يشير بوضوح إلى أن البحرين قد حققت معدلات نمو اقتصادية جيدة بلغت 7% في الفترة من 1999 حتى نهاية 2007 وأزيد عليها حتى نهاية 2008 كذلك, غير أن التحدي الرئيسي الذي ستواجهه الحكومة هو الاستخدام الحكيم للعوائد النفطية, وهنا يشير إلى ضرورة التوزيع العادل للثروة ومبدأ العدالة الاجتماعية, خاصة مع ما ستحدثه الأزمة العالمية الأخيرة من تداعيات سلبية على الاقتصاد والمجتمع بأسره, وهنا يشير التقرير إلى الخلل الذي أحدثته السياسات الاقتصادية المتبعة من مستويات غير مريحة من التضخم, انعكست تلقائيا على تلك الشرائح الفقيرة أصلا, والتي زاد بدورها من تدهور الطبقة الوسطى من المجتمع بطبيعة الحال.

ويجدر القول أن عامل الربط بين ما هو اقتصادي واجتماعي مع ما هو سياسي قد جاء موفقا جدا, ويعد مربط الفرس كما يقال, لتحقيق مقاربة تنأى بنا بعيدا عن أي توظيف سياسي, أو حتى اختزال أو ابتسار, وعندما لا يُفصّل التقرير المشكل الاقتصادي أو السياسي, فاننا لا تعوزنا الجرأة أو الفهم للقول بوضوح انه يعني بكل تأكيد كل تلك التفاصيل اليومية التي يعيشها الوطن والمواطن من تأزمات, والتي لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات, فهي تشمل مجمل القضايا المعيشية اليومية, من فقر وبطالة وإسكان وتعليم وصحة وغلاء معيشي ومعدلات جريمة وتلوث بيئي وتعد على السواحل والأراضي الشحيحة أصلا وتجاوز للقانون, كما أن إهمالها يهيئ الأرضية بالتدريج, لصالح فئات نفعية, تصبح مع هكذا وضع متسلقة ومنفتحة الشهية لتجاوز القانون والحقوق, بل هي لا تتورع عن الشروع في هدم قيم وركائز الدولة والمجتمع بأسره نزولا عند نزواتها الضيقة والمريضة.

إن فهمنا لتقرير «جامعة جورج تاون» يجب أن يتجاوز مجرد مفهوم أين أصابت الدولة وأين أخطأت, أو أين فشل المجتمع وأين أضحى محقا في مطالبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية, حتى نستطيع أن نصل سوياً للتأسيس لمفهوم افتقدناه طويلا في زحمة الشعارات السهلة, ألا وهو كيف نبني الدولة وأن نُقوّم المجتمع وأن نُصيغ معا عقدنا الاجتماعي بكثير من النجاحات وقليل من الألم والمعاناة, معتمدين على تجاربنا كدولة وشعب, ومستفيدين من تجارب الآخرين بنجاحاتهم وفشلهم وانكساراتهم وصعودهم, حينها فقط نكون قد حققنا الغاية من تجربتنا السياسية التي توافقنا حولها, ذاهبين بشراكتنا المأمولة نحو البناء والتنمية لوطن مزدهر ستظل تنتظره أجيالنا القادمة بشغف ومحبة.