المنشور

القمة العربية: خطابات مجردة

تعتمد القمم العربية على خطابات مجردة، عائمة، غائمة، لا توجه أي تحليلات أو فحصوات عميقة إلى واقع المجتمعات العربية الداخلية وما فيها من مشكلات وكوارث وانسداد عن التطور. فتسود المجاملات السياسية والوصول إلى تعاون مجرد في السياسة الخارجية في المنطقة وليس في العالم ككل. وكذلك لا تخلو من مشاكسات هي تعبير كذلك عن الأنظمة وخاصة العسكرية الشمولية وما فيها من مراهقة. هي تعبير عن تجمع السلطات العربية في مهرجان سياسي خطابي هام ومؤثر لا شك في ذلك، وهو يذكر بأن ثمة أمة عربية واحدة، وهذا التذكير مفيد جدا، ولكنه غير فعال لا في تغيير خريطة المنطقة السياسية ولا في تغيير المجتمعات العربية باتجاه الحداثة والديمقراطية والعلمانية.
فتتركز الخطابات الاحتفالية على ما هو مشترك بين الأنظمة العربية، التي تعيش لحظةً سياسية متقاربة، في انتقالها الغامض والرجراج نحو الحداثة مع بقايا كبيرة من التخلف والاقطاع، وإن كان لكل نظام موقعه وحركته في سلم هذا التحول المتعدد الدرجات، وتحدياته ومشكلاته، ولكنها كلها تتجمع في لحظة الانتقالِ غير المحسومة والمتباينة في الأنظمة التقليدية في العالم الثالث. ومن هنا فالخطابات لا تتوجه إلى تحليل مشكلات كل بلد، ولا إلى المشكلات المشتركة للدول العربية وكيفية التصدي لها. إلا بطبيعة الظرف الساخن للمشكلة الفلسطينية ومشروع السلام العربي الذي هو هام وتعبير عن تحول قيادات دول عديدة عن نهج المواجهة المباشرة العسكرية مع إسرائيل، ومحاولة لتشكيل ضغوط دولية على إسرائيل لانسحابها من الأرض المحتلة. ولكنه من جهة أخرى كمشروع سياسي قومي مفترض لأمة كبيرة ذات قدرات عالية يخلو من أي أدوات عسكرية وسياسية مشتركة على الأرض يجابه بها الاحتلال الإسرائيلي فيما لو أصرت الحكومات الإسرائيلية على رفضه بشكل دائم وكلي ومطلق! أما أن هذا المشروع لن يبقى طويلا مطروحا على طاولة المفاوضات والتداول، فهو كلام يظل مجردا مثل المشروع، مثل الشعارات العامة للمؤتمر. وتترابط مسائل تصفية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية بعموميات وتجريدات المؤتمر، فهي تتحدثُ عن عموميات المقاربة المفترضة بين الدول العربية، ولا تريد التطرق للقضايا الداخلية لهذه البلدان، وهي قضايا داخلية متأزمة، وثمة أنظمة شديدة التعسف في معاملة شعوبها، وثمة أنظمة شديدة التخلف، وهي بهذه الأوضاع لا يمكن أن تجابه إسرائيل والقوى الغربية المساندة لها، فهيهات ذلك! فأي قوى سوف تضعها هذه الأنظمة إذا ما جاءت اللحظاتُ الحاسمة في المواجهة؟ وكيف سيكون المشروع العربي هذا إذا قذفته إسرائيل في سلة القمامة المتطرفة الواسعة فيها؟ فضعف هذه الأنظمة العربية الديمقراطي، وعدم وجود عدالة في توزيع الدخول بين الطبقات الشعبية والطبقة الحاكمة، واتساع المسافة بين المراكز المهيمنة والمناطق النائية المهمشة، واستمرار معظم أجهزة الحكم العربية في التسلط البيروقراطي وغير ذلك مما يحفل به الواقع العربي. كل هذه الأمور غير المبحوثة، وهي التي تعوق الدول العربية من أن تكون دولا حديثة، وبالتالي تحول مؤتمرات قادتها إلى مؤتمرات خطابات ومجاملات وإلى اتفاقات محدودة جدا في التعاون المشترك المأمول، لا تجعل الدول العربية منفردة ومجتمعة قادرة على مواجهة إسرائيل في حالة رفضها المطلق لمشروع السلام العربي! وحينئذ ماذا ستقول هذه الأنظمة وبماذا سوف ترد وهل هي قادرة على المواجهة؟ أليس صمتها وعجزها هذا يقود إلى تصدر القوى الدينية المواجهة والتنطع لقيادة الأمة المستباحة الأرض والكيان؟! فإذا استبعد نجاد وحماس ألن تدخل القاعدة هذه المؤتمرات مستقبلا؟! كما ان المجاملات السياسية للأنظمة الشمولية ترسل رسالات خاطئة إلى العالم وتجعل مصداقية المؤتمرات العربية الكبرى وطريقة تفكير هذه الأنظمة محل نقد عالمي واستصغار دولي! إن ضيق التفكير السياسي العربي الرسمي يأتي من عدم وجود منظمة قومية عربية كبرى مشتركة على غرار السوق الأوروبية المشتركة وغيرها، تكرس روابط الحداثة والديمقراطية والعلمانية في أنظمتها وفي حكم شعوبها، فلم تعد أنظمة العصور الوسطى بقادرة على خلق شيء حي وباق في السياسة، وإذا لم ترتق الأنظمة إلى هذا المستوى فلقاءات الحكام العرب تغدو مجرد مجاملات وكلمات مجردة لا تأخذ أي طريق لتحويل واقع الأمة. وفي هذا الواقع تتنطع دول صغيرة لمكانة عليا وكل ما لديها براميل بترول تصرفها على الدعاية وتحاول تجاوز قامات كبيرة، لها مكانة تاريخية وتأسيسية في واقع الأمة العربية، بغض النظر عن مستوى الحكم وبيروقراطيته وسلبياته، فمكانة مصر تنتمي إلى ما هو جوهري في هذا الزمن وهو قيادة الأمة العربية في سبل الحداثة المعاصرة، ومقارباتها السياسية المعتدلة أفضل من نهج المغامرات اللامسئول. ووصول نهج مصر إلى مرحلة مواجهة عميقة يتطلب من الدول العربية والإسلامية المؤثرة التعاون معها، وتشكيل جبهة واسعة، أما نهج المحاور والصراعات الداخلية بين دول المنطقة العربية الإسلامية فهو الذي جعل إسرائيل تعربد فيها. وقد سبق أن قامت مصر وشعبها بتضحيات جسيمة في هذا السبيل ولكن بقيادة منفردة وحيدة بين متفرجين. يتطلب الموقف العربي قمما أخرى للبرلمانات والنقابات والأحزاب تصعد مواقف الشعوب وتحول بها أنظمتها، فالققم الرسمية هي تعبير عن مستوى كل بلد ودور قواه السياسية.

صحيفة اخبار الخليج
2 ابريل 2009