المنشور

لكي تنجح الشراكة المجتمعية!

احتفلت وزارة الداخلية في الثامن عشر من شهر مارس الجاري بما أطلقت عليه بيوم الشراكة المجتمعية, وفيه قامت الوزارة بسلسلة من البرامج التي تهدف إلى تعزيز مفهوم الشراكة بين المواطنين والمقيمين ومختلف مؤسسات المجتمع المدني مع رجال الشرطة في حفظ الأمن وتعزيز الطمأنينة والاستقرار المجتمعي لدى الجميع, علاوة على ما أسمته الوزارة بتعميق ثقافة التواصل بين مختلف شرائح ومكونات المجتمع, وجاء برنامج هذا العام تحت شعار «بينكم ومن أجلكم أينما كنتم«, وهو شعار موفق وعميق الدلالات رغم بساطة مفرداته. ونحن إذ نشيد بهذا التوجه الذي نفتقده كثيرا لدى العديد من الجهات الرسمية لدينا, والتي تأخذ برامجها عادة طابعا احتفاليا محضا, لا يرقى حد التفعيل على الأرض, لتبدو وكأنها فعاليات علاقات عامة فقط لا غير! مما يفقدها القدرة على الوصول إلى ضمير وقناعات الناس, حيث لا تجد بعد ذلك ما تستحق من الدعم والمساندة الجماهيرية المطلوبة. ما يدعونا للتأكيد على أهمية تعزيز مفهوم الشراكة المجتمعية هذا, هو ضرورة أن تسعى الإدارات المعنية بوزارة الداخلية, لترسيخ صورة إيجابية مغايرة عن طبيعة عملها ومهماتها الجديدة, للولوج إلى قناعة المواطن والمقيم ومختلف مؤسسات المجتمع بها, عبر طرح فعاليات وبرامج لا تلتزم بتواريخ محددة أو مناسبات احتفالية معينة, وإنما تكون نابعة من فلسفة ورؤية مغايرة تتماشى مع طبيعة ومستجدات المهمات الجديدة المناطة بها, والتي تمثل أهم ركن في عملية البناء الشاملة التي تسعى إليها كل دول العالم الناهضة من دون استثناء. أضف إلى ذلك, فإن وزارة الداخلية بما تحمله من إرث ثقيل, تحتاج لعمل المزيد للتدليل عمليا على توجهاتها الجديدة, والتي يجب أن تكون ذات نفس ومضامين إصلاحية حقيقية, تخضع لمفاهيم وطنية جامعة تكون محل احترام الجميع, وبما يعزز من عوامل الثقة تجاه تلك المؤسسة. وحيث أن هذه الوزارة وبالنظر لطبيعة مسؤولياتها ظلت مرتهنة على الدوام لتلك الصورة النمطية التي تكونت عنها, فإننا نعول مجددا على إشادة مضامين أمنية وطنية إصلاحية عند كل قياداتها, وذلك للإسهام في صياغة عقد مجتمعي جديد يستلهم روح وجوهر عملية الإصلاح وحقوق الإنسان بمفاهيمها الواسعة, والتي أصبحت البحرين ملزمة بتنفيذها بفعل تعهداتها الدولية, حين التعاطي مع مستجدات الشأن الأمني الضاغطة على الجميع, مع ضرورة مغادرة عقلية بعض الممارسات السابقة. فمنذ أكثر من ست سنوات وتحديدا بعد أن تم تعيين الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة على رأس وزارة الداخلية, دخلت وبقية الإخوة أعضاء كتلة النواب الديمقراطيين البرلمانية, في حوارات عدة مع بعض القيادات الأمنية وبحضور الوزير حول متطلبات الواقع الأمني الجديد, وضرورات خلق فلسفة أمنية مختلفة, مع ضرورة أن تنفض عنها بعض ما علق من سلبيات كثيرة نتيجة طبيعة العمل الأمني السابق لعملية الإصلاح, وقد طالبنا بضرورة السعي لخلق مفاهيم راقية ترتقي بالمهمات الأمنية الجديدة, بحيث تستطيع الوزارة بثوبها الجديد أن تُسهم من موقعها في تغيير تلك النظرة السلبية تجاهها, والتي كانت دلائلها بارزة آنذاك بروزاً أكثر تفاؤلا لدينا على الأقل, وطالبنا آنذاك بتغيير شامل في مظاهر وأساليب المعالجات, بحيث تبدأ من تغيير ملابس وعربات وثقافة وفكر رجال الأمن وتحويل السجون لإصلاحيات بدلا مما هي عليه, وباعتقادي أن ما اتخذته الوزارة الجديدة من خطوات, وبالنظر إلى ضغط الأحداث, قد ساهمت إيجابا في تعزيز رصيدها لدى الشارع, ونتمنى من الوزير الذي هو محل احترامنا, ولبقية القيادات الأمنية وهي تسعى نحو تأصيل مبدأ الشراكة المجتمعية ضرورة مراجعة وإصلاح السلبيات التي خدشت بعض ما حققته الوزارة من نجاحات سابقة, ونتمنى عليهم أن يبقوننا متفائلين, حتى تدعم بكل ثقة مفهوم الشراكة الذي يروجون له الآن.
 
صحيفة الايام
29 مارس 2009