المنشور

أين أهل التنوير من ربيع الثقافة؟‮! ‬

تعتبر قضية الثقافة التنويرية مسألة حاسمة لدى أهل الفكر التنويري‮ ‬في‮ ‬العالم،‮ ‬والدفاع عنها بشتى السبل والإمكانات هو من صميم مهمتهم،‮ ‬كما إن إبراز دورها التنويري‮ ‬في‮ ‬المجتمع المحلي‮ ‬وتوسيع رقعته على الصعيد الكوني‮ ‬يعد إسهاماً‮ ‬في‮ ‬إرساء دعائم التنوير باعتبارها ضرورة لخلق مجتمع متمدن متحضر مهيأ لمواجهة التخلف بشتى صنوفه راهناً‮ ‬ومستقبلاً‮. ‬ من هذا المنطلق لا تنفصل قضية الثقافة التنويرية لدى أهل الفكر التنويري‮ ‬عن رؤيتهم للسياقات والأنساق السياسية والاقتصادية والتربوية في‮ ‬المجتمع والعكس،‮ ‬ذلك أن هذه الرؤية هي‮ ‬الركيزة الأساسية والاختبار الحقيقي‮ ‬الذي‮ ‬يعرف من خلاله أفق التنويري‮ ‬وبوصلته من‮ ‬غيابهما أو عدمهما‮. ‬ وها نحن في‮ ‬مملكة البحرين نعيش هذه الأيام حدثاً‮ ‬ثقافياً‮ ‬تنويرياً‮ ‬كبيراً‮ ‬ومهماً‮ ‬يتجسد في‮ ‬مهرجان ربيع الثقافة الرابع الذي‮ ‬تلتقي‮ ‬فيه الرؤى الثقافية وتتحاور من كل بقعة مضيئة في‮ ‬العالم،‮ ‬فأين أهل الفكر التنويري‮ ‬وحاملو راياته ومشاعله في‮ ‬صحافتنا المحلية عن هذا الحدث الثقافي؟ هل الفكر التنويري‮ ‬لدينا هو كل ما اتصل بالشأن السياسي‮ ‬والعقائدي‮ ‬فقط؟ هل التنوير‮ ‬يحمل في‮ ‬رأي‮ ‬هؤلاء بعداً‮ ‬اختصاصياً‮ ‬أم هو في‮ ‬جوهره رؤية فكرية للحياة والعالم؟ لماذا‮ ‬يعتقد بعض أهل التنوير أن الحدث الثقافي‮ ‬هو شأن‮ ‬يختص به أهل الثقافة فحسب ولا علاقة له بأهل الفكر التنويري؟‮ ‬ أليس التنوير رؤية مؤسسة على وعي‮ ‬فكري‮ ‬ثقافي‮ ‬مستنير؟ أليس من شأن هذا الحدث الثقافي‮ (‬ربيع الثقافة‮) ‬أن‮ ‬يقترح رؤية أشمل وأعمق للفكر والحياة من السياسة والأدلجة التي‮ ‬تقوم وتتمأسس على المصلحة والصراعات فيها ومن أجلها؟‮ ‬ التنويريون في‮ ‬المجتمعات الأوربية قادوا دفة المجتمع من بؤرة الثقافة،‮ ‬ورؤاهم الفلسفية المستنيرة لفتت انتباه الساسة والاجتماعيين وتمكنت من خلق سجال ساخن فيما بينهم انتهى في‮ ‬نهاية الأمر إلى الانتصار للثقافة التنويرية،‮ ‬وصار كل حدث ثقافي‮ ‬يتخلق في‮ ‬مجتمعاتهم‮ ‬يسهم بشكل أو بآخر في‮ ‬زيادة منسوب التنوير الثقافي‮ ‬فيها،‮ ‬لذا لا‮ ‬غرابة إن كانت بعض الروايات مشاعل أساسية للتغيير الاجتماعي‮ ‬في‮ ‬بعض المجتمعات،‮ ‬ولا‮ ‬غرابة إن كانت بعض الرؤى الفلسفية التي‮ ‬انبثقت في‮ ‬رحم هذه المجتمعات أشبه بالمنيفستو الذي‮ ‬انطلقت منه رؤى التنوير وامتدت بفعل تأثيراتها إلى ضفاف مجتمعية أخرى كان لبعض المجتمعات العربية منها نصيب‮.‬ مثل هذه التأثيرات هي‮ ‬الآن في‮ ‬متسع حدث الربيع الثقافي،‮ ‬الذي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تتعاطاه أقلام التنوير في‮ ‬صحافتنا ومؤسساتنا التنويرية وتفسح له من مساحاتها الفكرية ما تفسحه للصراعات العقائدية اللامنتهية وأن تقف عند هذا الحدث بوصفه فعلاً‮ ‬تنويرياً‮ ‬لا‮ ‬يقل أهمية إن لم‮ ‬يزد عن هذه الصراعات ولعل ما‮ ‬يأتي‮ ‬في‮ ‬هذا الحدث الثقافي‮ ‬الكبير‮ ‬يحسم أموراً‮ ‬فكرية لم تحسمها هذه الأقلام والمؤسسات ولم تقترب منها في‮ ‬تعاطيها لها بعد‮. ‬ ولكن‮ ‬يبدو أن مسألة التنوير الثقافي‮ ‬خضعت لدى بعض الأقلام والمؤسسات‮ (‬المدنية‮) ‬في‮ ‬مجتمعنا المحلي‮ ‬لبعض الأمزجة الإدارية التي‮ (‬شخصنت‮) ‬التنوير ولبعض الرؤى‮ (‬المغلوطة‮) ‬لفعل التنوير ومنطلقاته وتأثيراته فباتت تشتغل ضد التنوير باجتزائها دور الحدث الثقافي‮ ‬في‮ (‬تجذية‮) ‬التنوير المجتمعي‮ ‬و(توهيج‮) ‬آفاقه‮!!.
 
صحيفة الوطن
24 مارس 2009