المنشور

نتائج انتخابات معروفة سلفا

ربما كانت الانتخابات التي تجري في البلاد العربية هذه السنوات أفضل من انتخابات نهاية القرن الماضي، لكنها لم تتغير جذرياً.
الأموال تنبع من الملكيات (العامة) وتضخ المنافع في جيوب البيروقراطيات وعملائها السياسيين والاقتصاديين، وهذه الأمور تحدد السياسات ومن ضمنها الانتخابات.
فلا يجري حراك سياسي تحولي حقيقي إلا في بعض الجوانب الجزئية، ولهذا فإن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية تخلو من المفاجآت.
لم تستطع الدول العربية أن تصل حتى إلى مستوى باكستان، الدولة التي كانت الشرطي في خدمة الغرب.
وإذا كنا قد عرفنا طويلاً هذه البيروقراطيات وحرانها في هذه المواقع المتحجرة، فعلينا كذلك أن نرى عجز المعارضات وأسبابه.
إن المعارضات العربية لا تطرح بديلاً متقدماً ممكناً.
فلا يمكن للدول أن تقبل عودة لدول الطوائف ولمرجعيات دينية خارج البلد والعصر.
وأغلب المعارضات ذات الشعبية اليوم هي من هذا النمط. أي لا يمكن القبول بالسير للوراء.
لا يمكن للرأسمالية الحكومية المهيمنة أن تواجه وتعارض إلا من خلال رأسماليات ديمقراطية خاصة، فهو الخيار الممكن الذي يؤدي إلى نقلة إلى الأمام ريثما تعيد القوى الشعبية تشكيل أنفسها بشكل ديمقراطي، وتغادر مواقعها النخبوية الصغيرة في العواصم وتتغلغل في الحارات الشعبية والأرياف، وتشكل جدلاً عميقاً مع الناس، بدلاً من التحدث باسمهم من خلال المنابر الصغيرة.
لا تستطيع الانتخابات في هذا العصر الرأسمالي إلا أن تكون ذات نتائج رأسمالية.
الطبقات الرأسمالية السائدة في الغرب تشكل لها الانتخابات فرصة لإعادة تجديد قياداتها، لإبراز طرق جديدة للتطور، ولمزيد من نمو الاستثمارات.
وأزمات الطرق القديمة في القيادات الرأسمالية تؤدي إلى ليس فقط إلى نتائج كارثية على الطبقة الحاكمة بل كذلك على الطبقات العاملة، وقد أدت قيادة الجمهوريين الأمريكيين ليس فقط إلى إفلاسات هائلة للبنوك والشركات الكبيرة بل إلى توسع للبطالة وإلى إلقاء العاملين في الشوارع.
وهذا ما يحدث لدينا، لكن المحافظين البيروقراطيين لا يعترفون بفشل سياساتهم الاقتصادية، لأن أحداً لا يصل إلى القرارات ليعيد النظر فيها، رغم الخسار الهائلة في الصناديق الاجتماعية وفي الأموال العامة التي يتاجرون بها بأشكال سرية.
ومن هنا فإن القوى الشمولية الجديدة التي تتشكل من الدينيين وحلفائهم من بقايا القوى القومية واليسارية العربية القديمة تريد إعادة الطرق القديمة نفسها، وإيجاد دول تهيمن على الموارد العامة.
ويتكلمون عن المد اليساري في أمريكا اللاتينية، وهو مد يقوم أساساً على قوى الفئات المتوسطة التي اُحتجزت في الأنظمة البيروقراطية العامة الاستبدادية السابقة، وهي تفتح الطرق لتطورات رأسمالية خاصة كبيرة، تعود بالفوائد على الطبقات الشعبية كذلك.
إذا كانت التطورات السياسية والاقتصادية الرأسمالية تعود بفوائد معيشية على الطبقات العاملة المحلية فسوف تكتسب زخماً وتقوم بتحولات.
لكن قسماً كبيراً من أرباب العمل والشركات في منطقة الخليج يعتمد على العمالة الأجنبية التي لا تصوت، وليس لها تأثير في العملية الانتخابية، وهذا القسم غارق في العمليات الحسابية الاقتصادية الجزئية والمحدودة، وليس له طموح سياسي، ولا يعرف مضار هذا الجمود على مشروعاته، وعلى التطور السياسي عامة.
ودون خلق علاقات تعاون واستفادة كبيرة من هذه الشركات والبنوك لأجل تغيير حياة الأغلبية العاملة، فإن الفساد والفوضى السياسية هما المستقبل.
فلا البيروقراطيات الحكومية تتغير تغيراً كبيراً يعود بنتائج جيدة على الجمهور والتطور السياسي المستقبلي، ولا المذهبيون السياسيون بقادرين على تكوين بديل حضاري ديمقراطي.
في العراق أسفرت الانتخابات عن فوز تحالف رئيس الوزراء لما يشير إلى استعادة السلطة المركزية لسيطرتها وجعلها آلة الدولة في خدمة مصالحها في مناطق نفوذها الدينية، ولكن الآن ليس أمامنا الدولة العراقية الوطنية بل دويلات طائفية، لكل منها جهاز متحكم.
هذا هو المستقبل الآخر، الذي تعده لنا هذه القوى غير المدركة لطبيعة تنظيماتها وخطورتها.
وفي النهاية سوف تصبح قوى رأسمالية لكن تأخذ أغلب رساميلها من الحكم، وهو سبيل فاسد لتشكيل رأس المال.
حين تنمو هذه القوى على هذا الأساس فهو يعتمد على ثقافة غير مطورة للدين، وعلى بقاء القوى العاملة في مستوى عملي وثقافي متدن، وعلى استعمال روابط غير اقتصادية تحديثية لنشوء السلطة والتجارة، وهذا يضيف مشكلات أخرى إضافية للرأسمالية الحكومية المتجمدة.
وتقود الانتخابات بالإضافة إلى حفاظها على البنى القديمة إلى تشتت المناطق وتمزق الأقاليم.
استعادة الفئات المتوسطة الحديثة لغتها الجدلية النقدية مع الواقع، ودفاعها عن الجمهور وظروف معيشته، وتوحيد الطوائف والمناطق في ثقافة سياسية وطنية، وإيجاد بديل الرأسمالية الوطنية الديمقراطية عوضاً عن الرأسمالية البيروقراطية المتكلسة، كل هذه خطوط ضرورية للخروج من الانتخابات المفبركة وذات النتائج المعروفة سلفاً، التي أسوأ نتائجها هو تعميق الانقسام والتمرد في المناطق خارج العواصم.

صحيفة اخبار الخليج
24 مارس 2009