المنشور

تغييرات سياسية على حساب التجار


ترافقت رأسمالية الدولة مع رأسمالية التجار التي كانت أسبق منها ووضعت أسس النظام الاقتصادي، وتنامت رأسمالية الدولة عبر تدفق فوائض النفط، وضخت أغلبها في بنيتها الكبيرة، وتسربت أجزاء منها في السوق المحلية.
تم وضع أسس النظام السياسي على أساس احتكار هذه الملكية الرأسمالية الحكومية، للمال العام، ثم راحت هذه الملكية العامة تستنزف بدلاً من أن تتنامى وتتطور، فلجأت للمشاركة مع رؤوس أموال أجنبية، وترنحت شركات كبيرة وتفككت بسبب الفساد، وتجمدت الميزانيات ثم تراجعت، وتعمقت الاستدانة، وتنامت القوى البيروقراطية داخل هذه الملكية (العامة).

وبدأت سياسة احتكار الحكومة للمشروعات الكبيرة تتصدع، فظهرت شركات خاصة في مسائل كانت محتكرة كالطيران.
ثم جاء (الإصلاح) الاقتصادي على حساب رؤوس الأموال الخاصة، مركزاً على تغيير نسب العمالة الأجنبية وعملية الإحلال للعمالة البحرينية.
إن التركيز فقط على مسألة العمالة يغيب طابع الإصلاح الاقتصادي الشامل، فهو يجعله في يد وزارة أو مؤسسة عامة، بدلاً من أن يكون ثمرة تعاون بين كل القوى والفاعليات السياسية والاقتصادية الرئيسية.

فالبرلمان غير قادر للوصول إلى فهم عمل المؤسسات الاقتصادية العامة وأرقامها، وهي تفلت من بين أصابعه لأسباب كثرة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعدم وجود لجان متخصصة في درس هذه الملكيات وجعلها موجهة حقاً في خدمة الاقتصاد الوطني وحاجات المواطنين.

وكان أسهل إجراء هو فرض رسوم وكأن فرض الرسوم رغم أهميته سوف يؤدي تلقائياً إلى تغيير نسب العمالة الأجنبية واكتساحها السوق.
ورغم الرسوم فإن العمالة الأجنبية زادت، ولم تتطور كثيراً نسب البحرنة!
إن الإدارة البيروقراطية الحكومية وظلالها الاجتماعية الكثيرة، تستفيد من العمالة الأجنبية وخاصة من فئاتها العليا التي تستأجر البيوت والفلل الفخمة، ومن الفيز المفتوحة ومن المشروعات الاقتصادية الخاصة التي تستجلب مزيداً من العمالة الأجنبية.
هناك نمو للعمالة المحلية ونقص في البطالة لكنهما لا يصلان إلى تحول كبير.
إذن الفئات البيروقراطية والفئات المتشابكة المصالح بين بعضها هي التي استفادت بقوة من (الإصلاحات).
لا يزال النفط هو أساس الدخل وهو بيد الشركة الحكومية.

لماذا تصر الحكومة على أن يتحمل التجار فاتورة الإصلاح الاقتصادي وهم لا يُسمح لهم بدخول بحر الثروة الأساسية؟
لا نعرف كيف تجري المناقصات وإرساؤها ولماذا ترتفع مجموعاتٌ محددة وتنتشر على السواحل والجزر مقيمة الأصرحة الكبيرة وبحر التجار والصناعيين مُبعد عن ذلك؟
لا يزال الاقتصاد العام وظله الخاص في دائرة الغموض الشديدة من دون أي شفافية.
لا توجد دراساتٌ اقتصادية تبين كمية الدخول عبر العقود المالية السابقة وهل هي مطابقة للرأس المال الحكومي الحالي المكون من أبنية ومؤسسات وشركات وما صُرف من أجور ورواتب؟

أما التغييرات السياسية التي يفترض أن تـُبنى على هذه الإصلاحات الاقتصادية فهي جاءتْ على حساب التجار والصناعيين وأرباب العمل عموماً، فلا توجد كتلة مهمة أو مجموعة ولو صغيرة في مجلس النواب معبرة عن هذه القوة الاقتصادية الكبيرة.
أما مجلس الشورى الذي يتكون من بعض الفاعليات الاقتصادية فهو مكون من أعضاء معينين فيفقد التجار حضورهم الديمقراطي المنتظر واستقلالهم السياسي.

فمن دون تغييرات حقيقية في الملكية العامة، ومن دون حضور صوت الفاعليات الاقتصادية والبيوتات التجارية ومشاركتها في النقد والتضحية، داخل المجلسين، لا يمكن أن يحدث إصلاح اقتصادي جوهري، ويزداد الأمر سوءا بجعل وإدارة مسألة الإصلاحات على حساب الرأسمالية الخاصة، فهي التي تنافس من قبل الشركات الحكومية بشدة، ينتظر منها كذلك أن تصلح ما كونته تلك الرأسمالية (العامة) وما راكمته من جمود اقتصادي وأخطاء هيكلية!

ثم يتم الإصلاح فوق ظهورها بشكل مادي كذلك، ويتدفق من دون علم لمساربه ودوره.
يقولون ان مسألة حضور الفاعليات الاقتصادية الخاصة سياسياً وانتخابها بسبب عدم شعبيتها، وغيابها عن الفعل السياسي، لكن أليس هذا يرجع لمحدودية التجربة وتوجهها لتصعيد ما هو طافح، وشعبوي مليء بالشعارات، لكن غير الواعي بالملكية العامة ومشاكلها؟

إن تحميل الرأسمالية الخاصة أثمان فشل وجمود بقية القوى الاقتصادية والاجتماعية وهي الناجحة في ميدانها الاقتصادي الخاص، يؤدي عملياً إلى استمرار المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فلابد من إصلاح اقتصادي عميق وجعل السوق حرة بشكل فعلي وليس مسيسة وخاضعة لتوجهات البيروقراطية الحكومية.


أخبار الخليج  20  مارس 2009