المنشور

يوم المرأة العالمي ونضالات المرأة البحرينية


بحسب ما تناضل المرأة البحرينية في (يوم المرأة العالمي) الذي يصادف الثامن من شهر مارس من اجل التمكين السياسي والتمكين الاقتصادي.. فإن هذه المرأة تكافح في (عيد الأم) الذي يصادف الحادي والعشرين من الشهر ذاته من اجل التمكين التربوي والتمكين الأسري في ظل مطالبتها بتشريع مشروع حضاري وعصري وتحرري.. وهو مشروع قانون أحكام الأسرة على غرار قوانين الأحوال الشخصية المتحررة والمتقدمة في كل من مصر وتونس ولبنان.. ومثلما ناضلت بأروع تضحياتها وإبداعاتها وعطاءاتها، ولو بقلة عددها ولكن يظل هذا العدد بمقاييس نوعية ومعايير كيفية، ابرزت مواصفات ومعايير المرأة الواعية والمثقفة والمستعدة للتضحية، في مواجهة المجتمع الذكوري والأبوي، وكذلك نقد الممارسات المنغلقة لتيار الإسلام السياسي، ومحاربة الموروثات الاستبدادية والتقاليد المغلوطة.. وتألق هذه المرأة بالتالي بتاريخها النضالي المضيء في حملها راية العلم والتعليم والتربية ومجالات الطب والتمريض والنضال الوطني منذ عقدي الأربعينيات والخمسينيات ومشاركتها في العملية التنموية بشكل عام، ومساهمتها في العملية الانتخابية البرلمانية والبلدية على وجه الخصوص مترشحة وناخبة في عامي (2002 و2006) لتواصل هذه المرأة اليوم بشجاعة نادرة جهودها من اجل مشروع قانون أحكام الأسرة، الذي ناضلت من اجل نيله بل انتزاعه وتحقيق تداعياته ومفاهيمه الى حيز الوجود وفي دائرة الضوء ما قبل ثلاثة عقود خلت.

هذا المشروع.. مشروع قانون أحكام الأسرة بات تحقيقه بين قوسين أو أدنى.. إلا ان قوى تيار الإسلام السياسي نوابا تحت قمة البرلمان وقوى إسلامية ومراجع دينية من خارجه حالت دون تحقيقه.. فمثلت هذه القوى الإسلامية كعادتها عقبة كأداء، من دون تحقيق أماني المرأة البحرينية، بقدر ما قدمت للسلطة التنفيذية مبررا بسحب هذا المشروع من تحت قبة البرلمان.

ولكن يظل بالمقابل وعلى الأخص بحلول مناسبتي (يوم المرأة العالمي) و(عيد الأم) ان هذه المرأة المثقفة والواعية والمدركة لحقوقها ) السياسية والاقتصادية والمدنية) تبدو مصممة على نيل هذه الحقوق، وخاصة مشروع قانون أحكام الأسرة طبقا للدستور والميثاق الوطني.. وتماشيا مع الاتفاقيات الدولية وما جاء في الاتفاق الدولي المبرم عام 1952 الذي أكد “حق المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات وفي جميع المجالات من دون تمييز”.. وايضا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966،. واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1979 .

ليس هذا فحسب ولكن يظل أيضا ان تصميم هذه المرأة الراسخة النضج وعيا وفكرا لبلوغ غاياتها النبيلة يكمن في عقدها العزم الأكيد على مواصلة النضال ضد كل ما يمت بصلة إلى الأنساق التربوية الاستبدادية والمفاهيم الثقافية والتاريخية برواسبها المتخلفة، وبثوابت العادات والتقاليد المقولبة والمعولبة من دون تجديد وبلا تحديث، وذلك انعكاسا للتركيبة الرجولية والذكورية للبنى الفوقية وتجسيدا لأجندة خطاب تيار الإسلام السياسي.

يبقى القول صحيحا بهذا الصدد انه لا يعقل ان تتأخر المرأة البحرينية وهي في الألفية الثالثة في الوقت الذي قطعت فيه شوطا كبيرا بتبوئها منذ عقود من الزمان مواقع قيادية سياسية وتنموية وتربوية.. كما لا يجوز ان تتحكم ثلة من قوى تيار الإسلام السياسي في مصير وحياة هذه المرأة المناضلة من اجل حريتها وكرامتها وإنسانيتها، بينما كانت هذه الجماعات الإسلامية بالأمس خالية الوفاض، مفلسة المكانة الاجتماعية، بعيدة عن الساحة المجتمعية.

وفي هذا الإطار فإنه يحق للمرأة البحرينية مطالبتها بحقوقها في اي وقت وكل الاوقات.. ولهذا السبب هي تستنهض الإرادة وتستصرخ الضمائر الحية، بمناصرة ودعم قضيتها حول مشروع قانون أحكام الأسرة.. وتشحذ الهمم وتستجمع الشجاعة، من معين مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات سياسية ونسائية ومهنية، بمختلف الطرائق وشتى القنوات، ومن خلال العرائض في جمع التواقيع وبواسطة الوسائل الإعلامية من صحافة وتلفزيون، وعبر إجراء اللقاءات وتنظيم الندوات والمحاضرات والمؤتمرات حتى تصل هذه المرأة إلى هدفها المنشود ومن اجل تمكينها تربويا واسريا في إبراز مشروع قانون أحكام الأسرة إلى حيز الوجود وأرضية الواقع الملموس، بدلا من رزوحه بين أدراج السلطة التنفيذية او تحت قبة البرلمان ما بين التهميش والتعطيل.. وذلك لما لهذا المشروع من أهمية قصوى بالغة الإلحاح لمكانة وحرية المرأة حول قضايا الزواج والعصمة والطلاق والتعليق والنفقة وحضانة الأطفال وفي صون كرامتها والذود عن حقوقها.. مثلما يمثل هذا المشروع صمام الأمان لاستقرار الطفولة والنشء والعملية التربوية والأسرية.. بل القضاء أو الحد من طائلة الوصايا الأبوية والذكورية والدينية التي عادة ما تصدر عن أزواج يتظاهرون بدعم المرأة، وتنبع من أزواج يدعون الديمقراطية خارج المنزل، بينما هم داخل منازلهم يحملون في أغوار أنفسهم وعقولهم قوانين حالات الطوارئ.

من هذا المنطلق فإن هذه المرأة قد صبرت وتصابرت برزوحها تحت الاوزار الثقيلة، للانتظار الطويل حتى تنتصر إرادتها بتحقيق هدفها المقدس والمنشود مشروع قانون أحكام الأسرة.



أخبار الخليج  20  مارس 2009